ملفات ساخنة

المتعاونون مع الغزاة.. قصة العار الأميركي بفيتنام فهل تتكرر

في نهاية أبريل/نيسان 1975 تسمر الأميركيون أمام شاشات التلفزيون وهي تنقل لهم مشهد طائرة مروحية تعلو مبنى سفارتهم في سايغون لحمل أقصى استيعاب لها من مواطني بلدهم.

 

لقد كانوا يخافون من الوقوع في أيدي قوات فيتنام الشمالية أو (الفيت كونغ) التي اقتربت من اجتياح المدينة.

 

وقد تم بالفعل إجلاء نحو 7 آلاف شخص إلى سفن قريبة في أكبر عملية نقل جوي في التاريخ، وكان من بينهم بعض الفيتناميين الذين عملوا وتعاونوا مع الولايات المتحدة.

 

لكن كان من الواضح أن عددا كبيرا من هؤلاء الفيتناميين لن تتاح لهم فرصة الهروب، وبالفعل تركتهم القوات الأميركية المنسحبة ليلقوا مصيرهم.

 

هذا السلوك اعتبره الأدميرال جيمس ستافريديس القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) يوم عار في التاريخ الأميركي، وذلك في مقال نشره مؤخرا على موقع بلومبيرغ.

 

ورغم نجاح عدد كبير من هؤلاء في الهروب خارج البلاد بطرقهم الخاصة ونقل نحو 100 ألف لاجئ إلى الولايات المتحدة فإن آلافا غيرهم وقعوا في الأسر لدى “الفيت كونغ” التي عاملتهم كخونة، وتعرض كثيرون منهم للسجن والقتل والتعذيب، حسب ما ذكرت التقارير.

 

وقد تكرر ذلك بصورة مختلفة في العراق، فمع سحب القوات الأميركية عام 2011 تعرض الآلاف من المتعاونين معها لمخاطر مشابهة، ويقول خبراء عسكريون أميركيون إن هناك مليشيات تتعقب هؤلاء العراقيين، ومع هذا لم يتم إجلاء ومنح تأشيرات إلا لنسبة قليلة منهم.

 

والآن في كابل يتكرر المشهد، حيث قررت أميركا الانسحاب من أفغانستان بعد احتلال استمر 20 عاما.

 

ومن دون شك فإن هذا الانسحاب يشكل منعطفا خطيرا في حياة كل من عمل مع القوات الأميركية من مترجمين وسائقين وغيرهم.

 

وقد حدد الرئيس جو بايدن 31 أغسطس/آب المقبل موعدا رسميا لنهاية الحرب في أفغانستان، وهي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، حيث بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 واستمرت قرابة 20 سنة.

 

ومع سحب نحو 90% من القوات الأميركية عادت إلى الأذهان تلك الصور القديمة في فيتنام، وارتفعت الأصوات تتساءل عن مصير عشرات الآلاف من الأفغان الذين عملوا مع الأميركيين طوال هذه الفترة.

 

ويحذر الكثيرون من أن تكرر واشنطن ما فعلته في فيتنام، ويطالبون بإجراءات عاجلة لإجلاء هؤلاء الأفغان.

 

بين القول والفعل

 

على المستوى الرسمي، قال الرئيس بايدن إنه سيتم نقلهم إلى مناطق آمنة، مؤكدا أن “هؤلاء الذين ساعدونا لن نتركهم خلفنا”.

 

وفى جلسة استماع أمام الكونغرس، قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي “أنا لا أريد أن أرى ما حدث في سايغون 1975 يتكرر في أفغانستان”.

 

ويقول الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس القائد الأسبق للقوات الأميركية في كل من أفغانستان والعراق إن على واشنطن مسؤولية أخلاقية تجاه “من عملوا معنا كتفا بكتف على الأرض وعرضوا حياتهم وحياة أسرهم للخطر”.

 

لكن تحويل تلك المسؤولية إلى واقع ربما يحتاج إلى ما هو أكثر من الالتزام الأخلاقي.

 

وقد أكد رئيس الأركان المشتركة أنه يتم إعداد خطط عاجلة للمساعدة، وقال “إننا ندرك أهمية أن نبقى أوفياء لهم وأن نفعل كل ما هو ضروري لحمايتهم، بما في ذلك إخراجهم من هناك إن أرادوا”.

 

ولا توجد شكوك كبيرة في قدرة البنتاغون اللوجستية الهائلة التي تمكنه من نقل أعداد كبيرة خارج أفغانستان رغم ضيق الوقت.

 

وقد ذكر مسؤول أميركي أن عملية الإجلاء ستبدأ في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، وتشمل نحو 2500 شخص سيتم نقلهم إلى منشآت عسكرية أميركية خارج أفغانستان.

 

هذا الإعلان لقي ترحيبا من بعض المنظمات العاملة في إيواء اللاجئين، ومنها جماعة “لا أحد خلفنا”، لكنها حذرت من أن تلك الأعداد ليست كافية وطالبت بزيادتها.

 

وتشير التقارير إلى وجود نحو 17 ألف شخص ممن عملوا مع الأميركيين وأفراد أسرهم، مما يصل بالعدد الإجمالي لنحو 70 ألف شخص.

 

والنسبة الكبرى من هؤلاء قدموا بالفعل طلبات اللجوء إلى الولايات المتحدة، لكن التصديق عليها ومنحهم تأشيرات يستغرق وقتا طويلا بسبب قوائم الانتظار المكدسة لدى إدارة الهجرة مع ضرورة استكمال المراجعات الأمنية لكل حالة، وهو ما يمثل صعوبة كبيرة حسب كلام المسؤولين، خاصة في المناطق غير المستقرة، حيث لا توجد وثائق ومستندات يمكن الوثوق بها لتاريخ طالبي اللجوء وخلفياتهم الشخصية والسياسية والأمنية.

 

ذبح مترجم

 

لكن تطورات الأوضاع على الأرض لا تنتظر الحركة البطيئة للبيروقراطية الأميركية.

 

ويقول عضو الكونغرس الأميركي مايكل والتز أنه أن خدم سابقا ضابطا في أفغانستان، وإن المترجم الخاص به كان شابا صغيرا يلقب بـ”سبارتاكوس”، وقد تم ذبحه هو وأحد أفراد أسرته، فيما كان ينتظر اللجوء للولايات المتحدة.

 

ومثل هذا المصير قد يتعرض له كل من عمل أو تعاون مع الأميركيين، فهؤلاء يجب أن يكونوا في مقدمة من يتم قبولهم للهجرة إلى الولايات المتحدة، وفق والتز.

 

وتشير تقارير إلى أن أكثر من ألف شخص من المترجمين الأفغان والعراقيين لقوا حتفهم حتى الآن، ومنهم من كان ينتظر دوره في الحصول على تأشيرة أميركية، فيما يخشى آخرون أن يلقوا نفس المصير.

 

وقد دفع ذلك بعض السياسيين والمنظمات للمطالبة بتفعيل برنامج خاص للإسراع بالموافقة على تلك الطلبات القادمة من أفغانستان كما حدث من قبل مع العراق.

 

لكن الحالة العراقية تحديدا يمكن أن تعطل الموافقة السريعة للأفغان، حيث يتم التحقيق الآن في الآلاف من طلبات التأشيرة المزورة من جانب عراقيين لدخول الولايات المتحدة.

 

وذكرت تقارير أن الشكوك تحيط بنحو 104 آلاف طلب، وهناك 500 شخص حصلوا بالفعل على الإقامة والجنسية الأميركية، ويواجهون الآن احتمال نزع الجنسية وترحيلهم خارج البلاد.

 

وقد تسببت تلك التحقيقات في وقف البرنامج السريع لتأشيرة العراقيين إلى أجل غير مسمى، ويقول عضو الكونغرس جيسون كرو إن هذه التحقيقات زادت تردد إدارة بايدن في تفعيل برنامج مشابه لأفغانستان.

 

مسألة وقت

 

ومع اقتراب الانسحاب الكامل للقوات الأميركية كانت إدارة بايدن تحاول أن تبدو مطمئنة لقدرة قوات الحكومة في كابل على الحفاظ على سلطتها، وربما كان الإعلان عن عمليات إجلاء كبرى يتعارض مع تلك الثقة الظاهرية.

 

لكن الأحداث على الأرض كانت أسرع، حيث تراجعت القوات الحكومية في مناطق عديدة، مما جعل سيطرة طالبان على كامل البلاد مسألة وقت في تقدير أغلب المراقبين.

 

ومع صعوبة إصدار تأشيرات سريعة لعشرات الآلاف من الأفغان فإن المسؤولين اضطروا لبحث إرسالهم إلى منشآت عسكرية أميركية خارج أفغانستان والولايات المتحدة، حيث يستقرون فيها لحين إصدار التأشيرات.

 

ولم يتم بعد الإعلان عن القواعد التي سيتم نقلهم إليها لأسباب أمنية حسب تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، لكن بعض الخبراء اقترحوا استخدام قاعدة غوام، وهي جزيرة تابعة للولايات المتحدة.

 

وإذا تم ذلك فإنها ستكون عنصرا إضافيا للتذكير بتجربة فيتنام، فهذه القاعدة هي التي استقبلت نحو 100 ألف فيتنامي لحين الانتهاء من إصدار تأشيرات دخولهم إلى الولايات المتحدة.

 

ويقول خبراء أميركيون إن ذلك يمكن أن يتكرر الآن مع استعداد المواطنين الأميركيين في الجزيرة لتقديم المساعدة في توفير الإيواء والإعاشة للاجئين الأفغان.

 

ويشير البعض إلى إمكانية استخدام القواعد العسكرية الأميركية في غوانتانامو وأوروبا ودول الخليج.

زر الذهاب إلى الأعلى