أخبار عربيةالأخبارلبنان

انهيار لبنان سيزيد من معاناة المواطنين واللاجئين والمنطقة بالكامل

نشر موقع مجلة “ناشونال إنترست” مقالا أعده ألكسندر لانغوليس حذر فيه من مخاطر انهيار لبنان على النزاع الإقليمي. وأشار فيه إلى أن وقوف المجتمع الدولي متفرجا لن يطيل من أمد معاناة اللبنانيين إلى جانب اللاجئين السوريين والفلسطينيين فقط بل ويسمح للوضع بالتدهور نحو الأسوأ.

 

وقال إن لبنان يتطور ليصبح دولة فاشلة وسط الأولويات المتنافسة في المجتمع الدولي والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط. فمن السهل تجاوز الكثيرين هذا البلد الشرق أوسطي الصغير من ضمن القضايا التي تواجه المنطقة، إلا أن التعامل مع الحالة التي يعيشها لبنان باعتبارها أمرا يخطر على البال لاحقا سيترك آثاره العميقة والسلبية وبتداعيات خارجية جوهرية.

 

وبالتأكيد، فحالة لبنان متداخلة مع الجيوسياسة الشرق أوسطية، وهو أمر يجب على قادة العالم الاعتراف به قبل أن تحصل المأساة التي ستمتد إلى خارج الحدود اللبنانية. ويظهر حجم القضايا السياسية والاقتصادية اللبنانية المخاطر الكامنة من تجنب لبنان. وقدم تقرير أخير للبنك الدولي صورة قاتمة وجاء فيه: يمكن اعتبار الأزمة المالية والاقتصادية اللبنانية كواحدة من عشر أزمات وربما الثالثة من أزمات الكساد العالمي منذ منتصف القرن التاسع عشر.

 

والمقاييس الاقتصادية لا تكذب، فقد انخفض ناتج الدخل الإجمالي بنسبة 40% في الفترة ما بين 2018- 2020 وزادت معدلات البطالة من 28% في شباط/فبراير 2020 إلى 40% في كانون الأول/ديسمبر 2020. ووصل سعر الليرة اللبنانية في السوق السوداء إلى 17.000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد. وانخفضت البضائع المستوردة بنسبة 45% حيث أجبر التضخم العملة المتداولة إلى الارتفاع بنسبة 197%. ونتيجة لهذا فنصف سكان لبنان يعيشون الآن تحت خط الفقر. واستشهد التقرير بما ورد في تقرير خريف 2020 لمجموعة العمل الخاصة بلبنان في البنك الدولي والذي وصف الأزمة بأنها “كساد مقصود”. وهو وصف يصدق على الوضع في ظل تلكؤ القيادة السياسية الحاكمة عن القيام بخطوات تعالج الموضوعات البنيوية المسؤولة عن الأزمة، والواضحة بشكل أكبر عبر الفشل في تشكيل الحكومة ومنذ 8 أشهر. وبدلا من ذلك عملت النخبة جهدها للحفاظ على نظام المحسوبية الذي يعطيهم الفرصة للثراء لأن أي إصلاحات حقيقية ستقلب الوضع وتمنعهم من نهب البلد. وكانت النتيجة جمودا سياسيا مصنعا لا يضر إلا باللبنانيين العاديين.

 

ويعتقد الكاتب أن هذا السيناريو لا يمكن الحفاظ عليه واستمراره، ففي ظل الاضطرابات التي تغلي منذ 2019 “ثورة أكتوبر” والتي كانت لحظة بارزة في الوحدة بين القطاعات الشعبية اللبنانية إلا أنه بات من الصعب القول إن لبنان لا يتجه نحو الانهيار ونزاع لاحق. فقد زاد الصراع الإثني والطائفي في ظل تشدد الانقسام السياسي بناء على خطوط الرعاية. وهذا واضح بشكل كبير بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين، الذين تم استخدامهم ككبش فداء للأزمة وصوروا كهدف مع أن نسبة 90% من 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في فقر مدقع.

 

وهنا تقع الرابطة الإقليمية والموضوع الأوسع للأزمة اللبنانية- وتؤشر إلى العوامل الخارجية لعدم استقرار الدولة. ففي الوقت الذي لا يمكن فيه لوم السوريين على مشاكل لبنان، خاصة أن الحكومة اللبنانية لا تقدم لهم إلا خدمات في الحد الأدنى، لكن وجودهم منح الطبقة السياسية كبش فداء لزرع الفتنة وعدم الاستقرار بين الجماعات الإثنية.

 

ولا يقف التداخل عند هذه النقطة فأزمة العملة السورية الحالية ناتجة عن الأزمة في الليرة اللبنانية والعكس صحيح. ويعطي التاريخ صورة عن الترابط بين البلدين، من مؤتمر الطائف وحتى التدخل السوري في البلد. ونتيجة لهذا فعدم استقرار في واحد منهما يؤدي إلى حالة عدم استقرار في الدولة الأخرى. وتتصل حالة هذه الترابط بالوضع الجيوسياسي الإقليمي. فالتطبيع بين الخليج- دمشق وإن كان يهدف لتأمين عقود إعادة إعمار تدر الأرباح إلا أنه قد يكون مرتبطا بمحاولات مواجهة التأثير الإيراني في سوريا ولبنان. ويشمل هذا السعودية التي تقترح محاولاتها الدبلوماسية الأخيرة مع سوريا بأن الرياض تتعامل مع بقاء حكومة الأسد كضرورة لمواجهة إيران وكبوابة خلفية للتأثير في لبنان. وتقوم الرياض مثل بقية دول الخليج بالتلويح بالصندوق السيادي الضخم وقدراته للتأثير في سوريا والذي قد يصل إلى السياسة اللبنانية عبر دمشق.

 

وبالتوازي مع هذا تقوم إيران بلعب دور مهم عبر دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان وسوريا. وبدلا من استعراض العضلات الاقتصادية تعتمد إيران وحلفاؤها على القوة والأيديولوجيا. ويشمل هذا على مواصلة ممر تأثير بين إيران والبحر المتوسط، وهي استراتيجية تحقق نتائج رغم القيود المحلية النابعة من المصاعب الاقتصادية. وعليه، فسوريا ولبنان داخلتان ضمن الصراع الإقليمي السعودي- الإيراني.

 

وتحاول بقية الدول مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر التنافس على التأثير عبر دعم جماعات معارضة في سوريا، علاوة على ليبيا واليمن. ولو درسنا حالة كل بلد فإن تكرر السيناريو في لبنان سيكون كارثيا. وسيؤدي انهيار لبنان لسلسلة من الأحداث التي قد تزعزع استقرار المنطقة، فكما حدث في سوريا، فستجد الجماعات اللبنانية وبدعم خارجي نفسها في مواجهة بعضها البعض في نزاع سينتقل أثره إلى الخارج. وسيؤدي تفكك الدولة إلى تحطيم التحالفات المحلية القائمة على خدمة الذات والتي لن تظل قائمة حالة انهيار الدولة.

 

وسيتحول النهج القديم في تحميل الخصم اللوم إلى العنف. وسيترك هذا أثره السلبي على المجتمع اللبناني والجهود لتأمين استقرار المنطقة كما بدا من الاتصالات الأخيرة بين إيران والسعودية. وسيجد العالم نفسه أمام موجة جديدة من التشريد اللبناني، وهو الذي رفض وعلى مدى العشر سنوات الماضية موجات من اللاجئين السوريين. وبعبارات بسيطة لا يستطيع العالم تحمل صدمة انهيار كل من سوريا ولبنان معا، ولا الأثر اللاحق على الجهود لتحقيق شروط الاستقرار في المنطقة.

 

وبصراحة فقادة العالم ليس لديهم استعداد لمواجهة هذا السيناريو الأخير. ويحاول البعض مثل فرنسا العمل على إحداث تغييرات بنيوية بالضغط، لكن المشاركة الفرنسية تظل في الحد الأدنى. والجهود الفرنسية مثمنة لكنها تدعو على التساؤل لأن أي جهد لتحقيق الاستقرار يجب أن يكون محوره الشعب اللبناني الذي يظل مركز الاستقرار. وبناء عليه يجب أن يقدم الدعم الغذائي والطبي مباشرة للمواطنين اللبنانيين بالتوازي مع جهود الضغط على النخبة. ذلك أن هذا لن يساعد فقط من بحاجة أكثر في لبنان بل وسيربك شبكات الرعاية التي تقوم بتمزيق لبنان اليوم. ويظل هذا حلا قصير الأمد يهدف لتخفيف المعاناة، فالتأثير الحقيقي هو لقادة المنطقة الذين لا تهمهم معاناة المواطن اللبناني العادي. وهذا يقتضي تحولا في النهج من عدم التحرك إلى التعامل مع الأزمة لأن انهيار لبنان لن يطيل معاناة اللبنانيين ومعهم اللاجئين السوريين والفلسطينيين بل وستمتد آثاره خارج حدود لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى