أخبار عالميةالأخبار

اليسار الفرنسي تخلى عن شعارات المساواة والعدالة وسمح لليمين المتطرف بفرض الأجندة

قالت المخرجة السينمائية والصحافية الفرنسية، رقية ديالو، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن اليمين المتطرف بات يسيطر على النقاش العام في فرنسا.

 

وأشارت إلى صورة سارة زماحي بالحجاب على قائمة الانتخابات الفرنسية المحلية المقررة هذا الشهر. وحتى وقت قريب لم تكن زماحي معروفة، فهي مرشحة مقيمة في مدينة مونبلييه عن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون “الجمهورية للإمام”، ولم تكن تتوقع أن يخلق مظهرها بالحجاب انقساما على المستوى الوطني.

 

ووجّه جوردان بارديلا، الرجل الثاني في حزب “التجمع الوطني” اليميني، رسالةً إلى الوزيرة مارلين شيابا المكلفة بشؤون المواطنة عبر تغريدة قال فيها: يوجد ملصق ضمن حملة انتخابية تظهر من خلاله سارة زماحي، مرشحة للانتخابات المحلية إلى جانب ثلاثة من زملائها، هل هذه هي الحرب ضد الانفصالية؟.

 

وخلال مقابلة تلفزيونية، اتهم بارديلا سماح زماحي بأنها تتبنى أفكارا إسلامية “متشددة” وأنها من أتباع المفكر طارق رمضان.

 

ثم جاء رد غير متوقع من رئيس حزب “الجمهورية إلى الأمام” ستانيسلاس غيريني، استشهد فيه بتغريدة بارديلا قائلا: القيم التي يتبناها حزب الجمهورية إلى الأمام لا تتوافق مع البروز الواضح للرموز الدينية في ملصقات انتخابية”. مضيفا: “إما أن تغيّر الصورة، أو نسحب دعم الحزب لها.

 

وتعلق الكاتبة أن قانون الانتخابات الفرنسية لا يمنع ارتداء “الرموز الدينية”. إلّا أن أحد قادة الحزب الحاكم قرر الدخول في لعبة اليمين المتطرف والقبول بها. وهذا التحرك المثير للقلق يظهر كيف تم انتشر الخطاب العنصري داخل الطيف السياسي.

 

ومع أن تصريح “غيرني” كشف عن انقسام داخل حزب “الجمهورية إلى الأمام” ووصفته النائبة نعيمة موتشو بـ”التمييز”، إلّا أن قرارا اتخذ بعدم دعم زماحي.

 

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2022، يعرف غيريني أن “التجمع الوطني” بقيادة مارين لوبان لديه فرصة قوية لأن يحصد حصة كبيرة من أصوات الناخبين.  وكان من المتوقع أن يقوم في وجّه النقد بتبني خطاب شامل حول الأقليات، لكنه وقادة الحزب قرروا بعد فشلهم بتغيير المواقف، ملاحقةَ الأصوات وإغراء الأيديولوجيا التي تطالب بالاستبعاد.

 

وتقول ديالو إن هذا ليس المثال الوحيد، فعندما أعلنت الشرطة عن احتجاج في ذكرى قتل رجليْ شرطة أثناء أداء مهمة، قُتل أحدهما في حادث إرهابي، كان الهدف المبدئي هو التضامن مع مهنة الشرطة، إلا أن اتحاد الشرطة طالب بسياسات قمعية متشددة، والتي تقف على خط التناقض للمطالب السياسية من معسكر اليسار.

 

وقرر ضباط الشرطة التجمع أمام الجمعية الوطنية من أجل الضغط على المشرعين بشكل قوّض مبدأ الفصل في السلطات.

 

وطالب قائد نقابي في الشرطة أثناء عمليات الحشد بتحديد سلطات القانون والدستور وفتح المجال لملاحقة الجناة بطريقة قاسية.

 

ولم يكن مفاجئا إعلان زعيمة التجمع الوطني، مارين لوبان، عن وجود كل المسؤولين المنتخبين عن حزبها في الاحتجاج. وكشف استطلاع نظم قبل فترة، أن نسبة 74% من ضباط الشرطة سيفضلون لوبان على ماكرون في الانتخابات المقبلة. لكن المثير للدهشة هي مشاركة رموز اليسار في التظاهرة بدون نقد. وكان الاستثناء هو المرشح الرئاسي جان لوك ميلونشون، وهو المفضل عند اليسار والذي أعلن أن حزبه لن يشارك.

 

وكان من بين الحضور مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل، وزعيم حزب الخضر يانيك جادو، وأوليفيه فور، زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي. وأثار فور غضبا أثناء التظاهرة عندما قال إن الشرطة يجب أن يكون لها “حق التدقيق” في القرارات العدلية، ولكنه سحب ما قاله لاحقا.

 

وتضيف ديالو أن التناقض في اليسار لا ينبع من دعمه لإحياء الشرطة ذكرى مقتل عنصرين من قواتها، ولكن ترويجه لأجندة القمع. فهناك عدة طرق للمساعدة على تحسين ظروف الشرطة التي سجلت زيادة حالات الانتحار بين عناصرها. لكن أحزاب اليسار تبدو مشغولة بصورتها أمام أنصار اليمين المتطرف بدلا من تحسين ظروف الحياة وجعل المجتمع مكانا أفضل للمجتمعات المهمشة. وعندما تخلوا عن مبادئهم الأساسية فتحوا المجال أمام التجمع الوطني لكي يملي النقاش الوطني العام.

 

وكان آخر الجدل هو حول فيديو بشأن دوري أبطال أوروبا، وقدّم فيه النشيد الوطني مغني الراب يوسفا الذي تعرض لانتقاد من اليمين المتطرف بسبب أغانيه السابقة. وردّ بارديلا حالا عندما قال إن الفيديو مثل “منح جزء من فرنسا لشخص آبق”، وكالعادة قرر الإعلام تحويل التعليق إلى نقاش حول أحقية يوسفا في الغناء نيابة عن بلده فرنسا. ورغم الدعم للفيديو من وزيرة الرياضة روكسانا ماراسينيانو، إلا أن رئيس فدرالية كرة القدم الفرنسية والعمدة الاشتراكي السابق لبلدة غانغان، نويل لوغريت، لم يعلق إلا بعد أسبوع على النقاش، وقال إنه كان من الأفضل عدم إنتاج الفيديو. لكن لوغريت ضيّع فرصة للقول إن اليمين المتطرف ليس له حق وضع الأجندة الوطنية.

 

وتعلق الكاتبة أن الأحزاب التي تتظاهر بمحاربة أفكار اليمين الخبيثة لن تحصل على أصوات من خلال تبني خطاب لا علاقة له بمبادئ المساواة التي طالبت تاريخيا بتحقيقها. وكما قال جين ماري لوبان، مؤسس الجبهة الوطنية الفرنسية (الاسم السابق للتجمع الوطني) فالناخبون يفضلون دائما النسخة الأصلية.

زر الذهاب إلى الأعلى