اخبار تركياالأخبار

مصطفى يلدز أول بطل مصارعة أسود في تاريخ تركيا

تمتد العلاقة بين إفريقيا والإمبراطورية العثمانية إلى أوائل القرن السادس عشر، وتتجاوز مصر جغرافياً، فتمتد إلى منطقة بحيرة تشاد. على مدار قرون، دُمجت أجزاء من القارة في الإمبراطورية.

 

إلى جانب تجارة الرقيق التي كانت موجودة بالفعل في المنطقة، واتفاقية الإسلام ضد استعباد المؤمنين، وقربها من الإمبراطورية، سرعان ما أصبحت إفريقيا ضحية موقعها الجغرافي، ومصدراً للعمالة العثمانية. صاحب توسع الإمبراطورية زيادة في عدد العبيد الذين استولت عليهم غنيمةً للحرب، أو بوسائل أخرى، فأتى أغلبهم من منطقة شمال إفريقيا، والبحر الأحمر، والخليج، والمناطق الشركسية والجورجية.

 

بين عامي 1848 و1880 بذلت الإمبراطورية العثمانية عدة محاولات لفرض حظر على الإتجار بالأفارقة المستعبَدين، وفي وقت لاحق حاولت إعادة توطين الأفارقة في منطقة إزمير النائية. ويفسر هذا جزئياً كيف شكّل الشتات الإفريقي في تركيا مجتمعاً في منطقة بحر إيجة.

 

وشهدت عائلة مصطفى يلدز عملية إعادة التوطين هذه، أو ربما وصلوا أيضاً إلى تركيا خلال اتفاقية التبادل السكاني التي جرت عام 1923.

 

ولد يلدز في عام 1943 بقرية سازوبا الواقعة بمقاطعة أخيسار، وأبدى اهتماماً مبكراً بالمصارعة، فشارك في مهرجان “كركبينار” للمصارعة الزيتية في التاسعة عشرة من عمره.

 

يعد مهرجان كيركبينار، وهو مهرجان مصارعة يُقام بالقرب من أدرنة، أهم مسابقات المصارعة الزيتية المقامة سنوياً منذ عام 1346، ولهذه الرياضة تاريخ وأصل ثري للغاية. أثبت يلدز نجاحه في سن صغير، وفاز بالمركز الأول في فئة معينة، وفي هذا الوقت تقريباً بدأ يُطلق عليه أيضاً لقب “مصطفى العربي”.

 

بعد مرور بضع سنوات، وتحديداً في عام 1967، كان يلدز يهدف إلى أن يحظى باللقب الشهير “المصارع الكبير”، أو ببساطة البطل. وفي عامه الأول فاز بجائزة “المصارع الأكثر رقياً”.

 

لكن يبدو أن يلدز لم يكن على وفاق مع لقبه، وخصوصاً مع الحكام الذين أعلنوا هزيمته أمام نظمي أوزون في مباراة 1970. سارع يلدز نحو صندوق الحكم احتجاجاً، ليشتكي بقوة، فأدت تصرفاته “غير الراقية” إلى منعه من المشاركة في مهرجان كيركبينار مدى الحياة، بحسب ما يذكره تقرير لـ “TRT عربي”.

 

رُفع المنع في عام 1972، وعاد يلدز مرةً أخرى إلى المنافسة، هذه المرة أقوى من ذي قبل، فهزم خصومه الواحد تلو الآخر، ما أذهل الكثيرين الذين توقعوا خلاف ذلك. كان من المتوقع أن يكون خصمه تورغوت كيليتش قوياً، وهو متسابق فاجأ الجميع بفوزه العام السابق. ومع ذلك استمرت المعركة 34 دقيقة فقط، وانتهت بحمل يلدز لكيليتش من حزامه، ثم إلقائه أرضاً، وفوزه بلقب

“المصارع الكبير”، ليصبح بذلك أول بطل مصارعة أسود في تاريخ تركيا.

 

وبعد مرور وقت قصير، تحديداً في عام 1975، مُنع مرةً أخرى من المشاركة، ليستمر المنع هذه المرة ثلاث سنوات. وبعد حادثة شبه مميتة عاد يلدز ببطء إلى كيركبينار في عام 1981 ليواجه أيدين دمير، الذي فاز باللقب أربع مرات بثلاثة انتصارات متتالية. امتدت المباراة على مدار يومين، بسبب تدهور الأحوال الجوية، وانتهت بالتتويج الثاني ليلدز بطلاً المصارعة. وبعد مرور فترة قصيرة على آخر مباراة له في عام 1985 أعلن يلدز اعتزاله الرياضة، متطلعاً للعمل حكماً عوضاً عن التنافس.

 

تُوفي يلدز في عام 2001، لكنه ترك لنا بضع كلمات: “الحياة مليئة بالمفاجآت. فيستحيل توقع ما سيُصبح عليه الشخص. في السنة الثالثة من هروبي من الموت أصبحت بطل مصارعة كيركبينار”.

 

من نواحٍ كثيرة صارت سيرة يلدز جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المصارعة الزيتية في تركيا، ولن يسع أحداً نسيان إرثه أبداً وقد أقيم تمثال له ببلدية أخيسار.

 

تعد إسهامات يلدز في أقدم رياضة بتركيا، بجانب المصاعب التي واجهها للتعايش مع المجتمع كونه إفريقياً تركياً، من أهم الإسهامات التي شكلت التاريخ الأشمل للأفارقة الأتراك، والشتات الإفريقي في تركيا القرن العشرين.

زر الذهاب إلى الأعلى