اخبار تركياالأخبار

أردوغان ينسحب من اتفاقية دولية لحماية المرأة بسبب المثلية الجنسية

تركيا

انسحبت تركيا رسمياً، السبت، من “اتفاقية إسطنبول” المعنية بحماية المرأة من العنف، وذلك عقب سنوات من الجدل الداخلي المتصاعد بين المحافظين الذين عارضوا الاتفاقية بحجة “دعمها المثلية الجنسية ومساهمتها في تفكيك الأسرة والمجتمع”، وبين معظم أحزاب المعارضة وممثلي الجمعيات الحقوقية الذين دافعوا عنها بقوة معتبرين أن الانسحاب منها سوف يفتح الباب أمام المزيد من العنف ضد المرأة الذي تزايد بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

 

وجاء في مرسوم رئاسي وقع عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “الجمهورية التركية قررت من جانبها الانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة، والعنف الأسري، ومكافحتهما، والتي وقعت في 11 مايو/ أيار 2011، وتمت المصادقة عليها في 10 فبراير/ شباط 2012 بقرار من مجلس الوزراء”، ليضع بذلك حداً لجدل استمر لسنوات تصاعد في الأشهر الأخيرة بشكل كبير، لكنه فتح الباب واسعاً أمام مزيد من الجدل على الصعيدين الداخلي والدولي لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي.

 

وتبنى مجلس أوروبا، وهو منظمة أوروبية تدافع عن حقوق الإنسان ودولة القانون مقرها ستراسبورغ، “اتفاقية إسطنبول” عام 2011، والأخيرة هي أول آلية فوق وطنية تضع معايير ملزمة قانونياً ترمي لمنع العنف القائم على نوع الجنس، ووقعت عليها تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي وقع رئيسه على الانسحاب منها.

 

ومنذ التوقيع عليها عام 2012، يعارض الاتفاقية المحافظون الأتراك باعتبارها تساهم في “تفكيك الأسرة والمجتمع وتشرعن المثلية الجنسية” وأنها “لا تتلاءم مع قيم المجتمع”، وضغطت الكثير من الأحزاب والجماعات والشخصيات المحافظة مراراً طوال السنوات الماضية من أجل الانسحاب منها.

 

في المقابل تدعم معظم الأحزاب في تركيا وجمعيات حماية المرأة الاتفاقية وتقول إنها السبيل لحماية المرأة في ظل العنف المتصاعد ضدها، وحذرت مراراً من أن الانسحاب منها سيزيد العنف ضد المرأة، واتهمت الحكومة بالانصياع لضغوط الجماعات الدينية التي تعارض الاتفاقية لأهداف انتخابية.

 

ويعتقد أن العدالة والتنمية الذي وقع على الاتفاقية لم يكن مؤمناً بالأساس بها وإنما اضطر للتوقيع عليها ضمن الكثير من التنازلات التي قدمها في إطار مساعيها لدفع ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن ومع تراجع فرص الانضمام الذي لم يعد على أجندة الحزب، فإنه غلب مصالح أخرى وحسابات داخلية مختلفة هذه المرة.

 

كما تتهم المعارضة أردوغان بأنه اتخذ هذا القرار “لأهداف انتخابية بحتة”، وذلك من خلال إرضاء حليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشيلي الذي يعارض الاتفاقية بقوة، ولإرضاء الكثير من الجماعات الدينية التي تتصدر معارضة الاتفاقية وتعتبر من أبرز الخزانات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وتساعد أصواتها في حسم الكثير من الانتخابات في البلاد. كما تساهم هذه الخطوة في دعم مساعي أردوغان لاجتذاب مزيد من الأحزاب المحافظة الصغيرة إلى تحالفه الانتخابي وعلى رأسها حزب السعادة.

 

ونهاية العام الماضي، صرح نعمان قورتلموش، مساعد رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن حزبه يعكف على بدء العمل للانسحاب من اتفاقية إسطنبول، لافتاً إلى أن الحزب وكما انضم إلى الاتفاقية، يمكنه العمل على الانسحاب منها من دون معيقات. وعلى الفور، تحركت مجموعة من أحزاب المعارضة التركية والجمعيات الحقوقية والنسائية على نطاق واسع للتحذير من مخاطر الانسحاب من الاتفاقية، واعتبرت أن الانسحاب منها يعتبر بمثابة دعم للاعتداءات ضد المرأة في المجتمع، مطالبين الحكومة بسن مزيد من القوانين لحماية المرأة بدلا من الانسحاب من الاتفاقية، ووصف حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الانسحاب من الاتفاقية جريمة بحق المرأة في تركيا.

 

لكن الحكومة من جهتها، متمثلة في حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، اعتبروا أن الاتفاقية تمثل تهديداً على الأسرة التركية وأنها لا تتوافق مع المجتمع التركي ومنظومته الأخلاقية والدينية، معتبرين أنها تؤذي الأسرة التركية وتفككها، كما لاقت هذه الدعوات دعماً من حزب السعادة الإسلامي المعارض الذي اعتبر زعيمه تمل كرمولو أوغلو أن الاتفاقية تدمر مفهوم الأسرة في تركيا وتحاول دعم وتعزيز المثلية الجنسية في المجتمع، وأعلن دعمه لنية الحكومة الانسحاب منها.

 

والاتفاقية لا يعارضها “المحافظون الإسلاميون” فقط، وإنما عارضها المحافظون في عدة دول أوروبية، حيث وقعت عليها 46 دولة لكن برلمانات 11 منها لم تمررها حتى اليوم ومنها بريطانيا وأوكرانيا وبلغاريا، والعام الماضي انسحب من الاتفاقية أيضاً سلوفاكيا والمجر بسبب تهديداتها للمجتمع والأسرة.

 

ومؤخراً، وصف وزير العدل البولندي، زبيغنيو زيوبرو، اتفاقية إسطنبول بأنها “بدعة، اختراع نسوي يهدف إلى تبرير إيديولوجيا المثلية الجنسية”. كما أثارت اتفاقية إسطنبول جدلاً في دول أخرى، فقد رفضها البرلمان المجري في أيار/ مايو الماضي، وتعتبر حكومة فيكتور أوربان أن الاتفاقية تشجع “إيديولوجيا الجنس التدميرية”، كما رفض البرلمان السلوفاكي المصادقة على الاتفاقية في آذار/ مارس 2019، بحجة تضاربها مع التعريف الدستوري للزواج باعتباره رابطاً بين شخصين من جنسين مختلفين.

زر الذهاب إلى الأعلى