أخبار عالميةالأخبار

ثورة فلاحين في الهند… أتحد فيها المسلمون والسيخ والهندوس ضد مودي

قالت صحيفة لوتان (Le Temps) السويسرية إن ثورة فلاحين عملاقة يدعمها عدد متزايد من الحركات في جميع أنحاء الهند، توشك أن تخلق إجماعا ضد رئيس الوزراء ناريندرا مودي بسبب إصراره على فرض إصلاحات زراعية يرفضها المزارعون وتشديده القمع ضد الفلاحين والناشطين.

 

وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم بنجامين جوايو- أن نحو 250 ألف مزارع هندي من جميع أنحاء البلاد يحاصرون العاصمة دلهي منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجا على برنامج الإصلاح الزراعي الجاري وقوانين المزارع الثلاثة التي اعتمدتها حكومة مودي في سبتمبر/أيلول 2020، مما يفتح القطاع الزراعي أمام كبار الفاعلين من القطاع الخاص، ويثير تساؤلات حول الأسواق التي تنظمها الدولة والأسعار الدنيا لبعض المواد الغذائية الأساسية.

 

ولا يبدو -بحسب الكاتب- أن المزارعين يقبلون بحجج الحكومة لخشيتهم على مصدر عيشهم، وبالتالي فإن التمرّد الذي بدأ بشكل أساسي مع المزارعين من ملاك الأراضي في البنجاب، قد امتد الآن إلى عالم الفلاحين الهندي بأسره، حتى الذين لا يملكون أرضا أو نسيتهم سياسات تنمية الدولة المركزية.

 

تقارب عابر للأديان

 

وظهرت ثورة الفلاحين أول مرة في ولايتي البنجاب وهاريانا المنتجتين الزراعيتين الرئيسيتين -سلة غذاء الهند- بقيادة مجتمع السيخ القوي، ولكنها انتشرت منذ ذلك الحين على نطاق واسع جغرافيا واجتماعيا في ولايات عديدة متنوعة الثروة والسكان، غير أن غضب الفلاحين بدأ يحقق إنجازا يفوق كل تصور، وهو الجمع بين المزارعين الهندوس والمسلمين، والذين ينتمون إلى ديانتين متناحرتين منذ الاستقلال.

 

ويأتي ذلك رغم أن غالبية ناريندرا مودي التي تتولى السلطة حاليا في الهند تتبنى أيديولوجيا تفوّق الهندوس ووصم المسلمين بأنهم هم العدو. وقد أسس مودي مساره السياسي على استخدام الإسلام وما يسمى “الأعداء الداخليين” كبش فداء، حتى إنه تعرض لعزل دولي للاشتباه في أنه قام بتغطية أعمال الشغب المتعلقة بمسجد أيودهيا التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من ألفي مسلم هندي، ولكن ذلك لم يمنعه من الترشح لأعلى منصب، بحسب الكاتب.

 

ومع أن الصراع المستمر مع باكستان -كما يقول الكاتب- أدى إلى تأجيج الخطاب الهندوسي المتطرف والمعادي للمسلمين، الصادر عن حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي، ووسع نطاقه إلى قلب الريف الهندي، فإن تمرد الفلاحين الحالي ربما يكون في طريقه لتغيير الوضع، حيث يشاهد تقارب -على سبيل المثال- في أوتار براديش بين رعاة طائفة الجات الهندوس والمسلمين ضد برنامج مودي للإصلاح الزراعي.

 

ورغم ابتلاء الهند في السنوات الأخيرة بصراعات بين الأديان يستغلها مودي بكل سرور، فإن ثورة الفلاحين الحالية قد تصالح الهندوس والسيخ والمسيحيين والمسلمين، وتجعلهم يقفون ضده.

 

وأشار الكاتب إلى أن برنامج الإصلاح الزراعي المتنازع عليه بسبب تعنت الحكومة وثقتها الزائدة بالنفس، في طريقه إلى الجمع بين النساء الحاضرات بقوة في الثورة الحالية، وبين الشباب الناشطين في مجال المناخ.

 

وذكّر الكاتب بأن النساء المسلمات من منطقة شاهين باغ في دلهي، وقبل فترة طويلة من تعبئة الفلاحين، عارضن مودي بشكل مباشر، وخرجن إلى الشوارع عام 2019 في ثورة ضد الإذلال الدائم الذي يعاني منه مسلمو الهند، وضد خيارات الحكومة الاقتصادية النيوليبرالية التي تفاقم الفقر.

 

حركة جامعة

 

وبدافع من هذه الحركة التي انضمت إليها الاتحادات النقابية الكبرى، نُظم أول إضراب عام كبير في يناير/كانون الثاني 2020، مما مهد الطريق لانتفاضة الفلاحين الهائلة بعد بضعة أشهر، خاصة أن عشرات الآلاف من النساء في المناطق الريفية عملن بشكل كبير في الجمعيات التي نظمت الاحتجاج الشعبي في الأشهر الأخيرة.

 

أما بالنسبة للطلاب الهنود الشباب -ومعظمهم من الحضر ومن الطبقات الأكثر ثراءً- فقد تم حشدهم بشكل خاص من خلال إلقاء القبض على الناشطة البيئية الشابة ديشا رافي (22 عاما)، بتهمة “الفتنة”، لأنها كانت تشارك على وسائل التواصل في حملة لدعم الفلاحين المناهضين للإصلاح الزراعي، وقد تم إطلاق سراحها بعد أسبوع.

 

وترى لبوجا لال أستاذة العلوم السياسية في دلهي، أن اعتقال ديشا رافي بدا نوعا من المضايقة، لأن الشرطة لم يكن لديها دليل حقيقي ضدها، وبالتالي كان هذا الاعتقال دليلا صارخا على مخاوف السلطات الهندية من تلاقي حركة الفلاحين ونشطاء المناخ المدعومين دوليا.

 

ويبدو للكاتب أن تمرد الفلاحين الهنود الحالي قد نجح في تجسيد ما لم تتمكن المعارضة السياسية لحزب بهاراتيا جاناتا من القيام به منذ عام 2014، من توحيد النضالات ضد الحكومة الاستبدادية بشكل متزايد.

 

وفي مواجهة عدم مرونة مودي، فإن ثورة الفلاحين في طريقها إلى الاستمرار. والمزارعون -بحسب أحدث معلومات الكاتب- مستعدون للتخييم في ضواحي دلهي على الأقل حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وبالتالي فإن مودي الذي جاء بإرادة الشعب الهندي، قد يذهب أيضا بنفس هذه الإرادة.

 

وخلص الكاتب إلى أن النضال الحالي للفلاحين الهنود قد يكون ملهما للغاية لبقية العالم في مواجهة صعود القومية العرقية التي ظهرت في جميع أنحاء الكوكب، جنبا إلى جنب مع تفاقم تهديد المناخ.

زر الذهاب إلى الأعلى