أخبار عربيةالأخبارالجزائر
أخر الأخبار

التهميش يحول الجنوب الجزائري لقنبلة موقوتة

أعادت الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها ولاية “ورقلة” النفطية بالجزائر، طرح إشكالية فوارق التنمية بين الشمال والجنوب في البلاد، وضرورة المسارعة لمعالجتها.

 

واندلعت هذه الاحتجاجات عقب الحكم على الناشط المحلي عامر قراش بالسجن لمدة 7 سنوات سجنا نافذا، وهو ما اعتبره المتعاطفون مع قضيته عقوبة قاسية وغير مبررة.

 

وذكر المحتجون في تصريحاتهم التي أعقبت المحاكمة، أنهم يشعرون بالظلم والكيل بمكيالين في التعامل مع ناشطي المنطقة، لأن مناطقهم تعاني حسبهم من عدم الاهتمام رغم أنها غنية بالموارد  الطبيعية.

 

وتواجه هذه المناطق شبح البطالة التي تفوق معدلاتها بين الشباب 30 بالمائة، ما أدى في السنوات الأخيرة إلى ظهور تنظيمات للعاطلين تحاول إسماع صوتها للسلطة.

 

وعلى غير العادة، تدخل سياسيون مقربون من السلطة، ليعتبروا أن الحكم الصادر ضد الناشط عامر قراش، والذي أدى إلى حالة غضب كبيرة، قاسٍ ويجب تصحيحه.

 

وقال عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، إن الحكم الصادر لا يمنح شعورا بأن الجزائريين سواسية أمام القانون، ما يوجب حسبه، رفع القضية لأعلى مستويات السلطة ومتابعتها لتحقيق الإنصاف والعدالة وعدم التمييز بين المواطنين.

 

وأوضح بن قرينة في منشور له على صفحته الرسمية بفيسبوك، أنه ليس من عادته التعليق على أحكام العدالة، ولكن قساوة الحكم، تجعله وفق ما قال يرفع الصوت عاليا أن “الجزائريين سواسية أمام القانون وفي الحقوق والواجبات”.

 

وأبرز المرشح الرئاسي السابق، أن المواطنة الحقيقية تقتضي على السلطة عدم التمييز بين مواطنيها، لافتا إلى أن “الاحتقان الموجود والتهميش لفئة من الشعب الجزائري في ظل هذه الأحكام القاسية لا يساعد على الطمأنة وتمتين الجبهة الداخلية”.

 

دعوات للإفراج عن المعتقلين

 

ودفعت هذه الاحتجاجات، محامين ونشطاء، إلى المطالبة بمراعاة خصوصية المناطق الجنوبية التي يسودها احتقان واسع، والمسارعة إلى إطلاق سراح المعتقلين والمتابعين بتهم سياسية.

 

وأوضح عبد الغني بادي الحقوقي والمحامي الممسك بقضايا الكثير من معتقلي هذه المناطق، أن الملاحظ أن التهميش الذي يعانيه الجنوب يتم معالجته أمنيا وقضائيا، بينما لا تسعى السلطة بأي جهد إلى إيجاد حلول حقيقية.

 

وأشار بادي في تصريح لـ”عربي21″، إلى إحصاء عدد كبير من النشطاء المسجونين في كل من أدرار وتمنراست وهما أكبر ولايتين جنوبيتين، ما يعطي حسبه صورة عن التضييق الممارس بشكل واضح.

 

ويعتقد بادي أنه يجب تسوية قضايا السجناء في هذه المناطق في أسرع وقت ممكن ومنحها الأولوية، لأن للجنوب حسبه، خصوصية يجب مراعاتها.

 

وتابع يقول: “المواطنون هناك يعيشون التهميش وقساوة البيئة، وتعبيرهم عن التذمر مبرر جدا، خاصة وأن كل الحكومات التي تعاقبت لم تعالج الأزمة بجدية، لذلك نرى أن تطبيق روح القانون في الجنوب ومراعاة المعطيات المذكورة أمر مهم جدا. يجب تحكيم العقل بالتخلي عن المقاربة الأمنية والقضائية”.

 

وخلال العفو الرئاسي الأخير، استفاد عدد من النشطاء من الإفراج، لكن آخرين لا يزالون رهن الحبس المؤقت، ومن أبرزهم الشاب محاد قاسمي الذي رفضت غرفة الاتهام بمجلس قضاء ولاية أدرار الإفراج عنه.

 

واشتهر محاد قاسمي، بنضاله منذ سنة 2013، ضد استغلال الغاز الصخري وتنظيمه مظاهرات بمنطقة عين صالح التي توجد بها هذه الثروة، وهو ما انتهى إلى تراجع الحكومة مؤقتا في ذلك الوقت عن المشروع.

 

وتحول هذا الناشط الذي يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة، مع مرور الوقت، إلى أحد أبرز معارضي سياسات السلطة السابقة بمنطقة الجنوب، الأمر الذي جعله يكون محركا فعليا للحراك الشعبي عند انطلاقه في شباط/فبراير 2019.

 

لكن محاد قاسمي اليوم، حسب المحامي بادي، يواجه تهما ثقيلة على خلفية منشورات فيسبوكية، قد تكلفه سنوات طويلة في السجن، إذا لم يتم تحكيم العقل والإفراج عنه من أجل تخفيف الاحتقان في المنطقة.

 

تحركات الحكومة

 

وفي سياق الانتباه لإشكالية التنمية في هذه المناطق، عمدت الحكومة إلى تسريع عملية التقسيم الإداري الجديد الذي تم بموجبه ترقية عشر مدن بالجنوب إلى مصاف ولايات كاملة.

 

وأجرى وزير الداخلية كمال بلجود، زيارات مستعجلة لتنصيب الولاة الجدد، مشيرا إلى أن هذا التقسيم الجديد من شأنه أن يقرب الإدارة من المواطن ويلبي حاجيات التنمية والاستثمار بهذه المناطق.

 

وعانى سكان المناطق الجنوبية، على مدى عقود من التقسيم الإداري الذي حدد الجنوب في عدد قليل من الولايات رغم شساعته، ما جعل القرى والمدن الصغيرة في هذه المناطق تبعد بمسافات تصل أحيانا إلى 500 كلم عن مركز الولاية.

 

المخاطر الحدودية

 

ومع تفجر الأوضاع على الحدود الجنوبية للجزائر، في مالي والنيجر وليبيا، أصبحت الكثير من الأصوات تدعو لضرورة إعادة النظر في استراتيجية التنمية بهذه المناطق من أجل تحصين الحدود.

 

ويرى البروفيسور رابح لونيسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، أن الجنوب الجزائري هو بمثابة قنبلة موقوتة إذا استمرت الأوضاع كما هي، خاصة في ظل محاولة البعض الاصطياد في هذا الوضع.

 

وقال لونيسي في تصريح لـ”عربي21″، إن المنطقة غنية بالثروة النفطية ويجب أن يذهب على الأقل جزء منها إلى تنمية المنطقة، مشيرا إلى أنه “حتى ولو كان هناك صندوق خاص بتنمية الجنوب إلا أن السكان لم يشعروا بفائدته الآنية عليهم لأسباب موضوعية”.

 

وأبرز أستاذ العلوم السياسية، أن الجنوب الجزائري يواجه موجات هجرات غير شرعية من دول الساحل، ويعاني من تأثير أحداث شمال مالي والنيجر وليبيا وغيرها عليه، وكل هذا يمكن أن يؤدي، حسبه، إلى انفجار الأوضاع واستغلالها من أطراف داخلية وخارجية تعمل لأجندات خطيرة ضد الجزائر.

 

وذكر في هذا الخصوص، أن الكثير من الجماعات الإرهابية قد هربت إلى الجنوب والدول الحدودية معه، وبإمكانها، وفق تحليله، استغلال هذه الظروف لصالحها.

 

 

المصدر: عربي 21

زر الذهاب إلى الأعلى