أخبار عالميةالأخبار

ساركوزي.. الشجرة التي تحجب غابة الفساد

إدانة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في قضية التنصت (بزموت) حدث يستحق أن يُقدر حق قدره، وقد حان لفرنسا المريضة بالفساد أن تواجه صورتها كما تنعكس على مرآة القضايا التي تثبت أنها ليست على ما يرام.

 

بتلك المقدمة افتتح موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي مقالا، دعا فيه الصحفي فابريس آرفي إلى الاتعاظ بهذا الحدث التاريخي، مشيرا إلى أن هذه المرة هي الثانية التي يدين فيها القضاء الفرنسي رئيس دولة سابق لوقائع تتعلق بالاعتداء على النزاهة العامة، بعد إدانة الرئيس جاك شيراك بتهمة “اختلاس الأموال العامة”، و”خيانة الأمانة” قبل 10 سنوات.

 

ونبه الكاتب إلى أن الرئيسين المدانين ساركوزي وشيراك قبض على رئيسي وزرائهما؛ فرانسوا فيون للأول وآلان جوبيه للثاني، وأدينا بسبب جرائم تتعلق بوظائفهما العامة، رغم أن هؤلاء جميعا كانوا بدرجات متفاوتة لا يتسامحون مطلقا مع الانحراف عن القانون العام.

 

غير أن ساركوزي تحديدا -كما يقول الكاتب- خلق جوا قضائيا خاصا وحركة قاتلة سياسيا، توشك أن تسجل مثل “البرلسكونية” في إيطاليا و”الترامبية” في الولايات المتحدة، كوصمة عار في كتب التاريخ، حيث إنها خصصت المال العام لأغراض خاصة، واستخدمت الدولة أكثر مما خدمتها.

 

أفعال مقلقة

 

والشيء الفريد في نظام ساركوزي عندما ننظر إلى القضايا الكثيرة المرفوعة في المحاكم، هو أنه لا يوجد شخص مقرب من هذا الرجل -كما يقول الكاتب- إلا ولديه مشكلة مع العدالة في السنوات الأخيرة، إما أنه أدين أو سيحاكم أو متهم في تحقيقات جارية.

 

وعدّد الكاتب أسماء 15 من وزراء وأعوان وأصدقاء ساركوزي، قال إن الأفعال التي نسبت إليهم مقلقة بشكل مروع على ديمقراطية فرنسا، في تحدٍ لقواعد الآداب العامة الأساسية التي تفرضها الصلاحيات والوظائف التي يشغلها كل منهم.

 

أما قضية “بزموت” التي حكم فيها بسجن ساركوزي 3 سنوات -منها سنة نافذة- بتهمة “الفساد” و”استغلال النفوذ”، والتي أعلن رغبته في استئنافها؛ فتجب قراءة حيثياتها بتمعن لإدراك مدى الندبة التي خلفها الرئيس السابق والمتواطئون معه، وفقا للقضاة، كما يقول الكاتب.

 

وأشار الكاتب إلى أن مهارة الدفاع عن ساركوزي الباهرة لم تغير شيئا، مع أنها حاولت طمس الحقيقة وتطوير روايات موازية وإحداث فوضى في النقاش العام.

 

وللتذكير، قال الكاتب إن التهمة تتعلق باستخدام الرئيس السابق محاميه وصديقه تييري هيرتسوغ والقاضي بمحكمة النقض جيلبت أزيبير عام 2014 للحصول بشكل غير قانوني على معلومات عن تحقيقات قضائية جارية.

 

ويتحدث الحكم الذي يدين ساركوزي اليوم عن أفعال “ذات خطورة خاصة ارتكبها رئيس جمهورية سابق كان ضامنا لاستقلال القضاء، استخدم وضعه والعلاقات السياسية والدبلوماسية التي أقامها أثناء توليه منصبه لمكافأة قاضٍ خدم مصلحته الشخصية، وساركوزي محامٍ، وهو بالتالي على اطلاع كامل بالالتزامات الأخلاقية لهذه المهنة”.

 

في قلب الفساد

 

ونبه الكاتب إلى أن إدانة الرئيس السابق -الذي تنتظره محاكمة أخرى تتعلق بتمويل حملته الانتخابية في عام 2012 (قضية بيغماليون)، والمتهم 4 مرات بالفساد فيما يتعلق بحملته الانتخابية في عام 2007 (القضية الليبية)- تظهر أنه في قلب الداء الذي ينخر الحياة العامة الفرنسية، والذي يبذل بعض السياسيين وبعض وسائل الإعلام المملوكة لأصحاب المليارات المقربين من ساركوزي قصارى جهدهم لإخفائه، والدليل تصوير كبريات الصحف والقنوات أن ما يواجه الرئيس السابق “مؤامرة”.

 

وأشار الكاتب إلى أن هذا التشابك بين القوى المالية والسياسية والإعلامية هو على وجه التحديد أحد موروثات “الساركوزية المنتصرة” التي تمنع رؤية الصورة الصحيحة في مرآة القضايا المطروحة على العدالة، وهي التي توجه لعبة البوكر الصغيرة التي يلعبها الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون منذ عام 2017 مع ساركوزي، حيث يستفيد هذا الأخير، رغم توجيه اتهامات متعددة له في العديد من القضايا السياسية والمالية الكبرى، من مزايا ودعم ماكرون.

 

وختم الكاتب بالتساؤل عن شأن وزير العدل الحالي إريك دوبوند موريتي، الذي لم يدخر جهدا في إلقاء اللوم على مكتب المدعي المالي الوطني، وممثل الادعاء في محاكمة “بزموت” التي تشمل تييري هيرتسوغ، رفيق الوزير الدائم حسب اعترافه.

 

وخلص إلى أن تصرفات الوزير الذي أثار غضب القضاء بأكمله، بدأ التحقيق فيها من قبل محكمة العدل للجمهورية بتهمة “أخذ المصالح بشكل غير قانوني”، وهي المحكمة نفسها التي ينتظر أن تحكم بعد أيام على إدوار بالادور أحد المرشدين السياسيين لساركوزي.

 

 

المصدر: ميديابارت + الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى