ملفات ساخنة

نهضت من تحت ركام الاتفاقيات المذلة.. ماذا تعرف عن قوة تركيا البحرية؟

مع احتفالها يوم السبت الماضي بتدشين الفرقاطة العسكرية “إسطنبول” وإنزالها إلى البحر، وبدء عملية لحام ثالث سفينة عسكرية يجري تصنيعها لصالح باكستان، دشنت تركيا مرحلة جديدة من مراحل بناء قوتها العسكرية البحرية التي باتت تعتمد عليها في حسم كثير من الملفات.

 

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حفل تدشين السفينة إن تركيا باتت واحدة من 10 دول تصنع سفنها الحربية بنفسها، وإنها حققت الاعتماد على الذات بنسبة 75% في مجال بناء الفرقاطات والسفن الحربية.

 

ورثت البحرية التركية المعاصرة سمعة سالفتها العثمانية التي كانت مراكبها وأساطيلها سيّدة البحار وحسمت الجولات والمعارك المائية مع أساطيل أوروبا، لكنها ورثت إلى جانب ذلك كله أعباء خسارة الحرب العالمية وانتصار الحلفاء الذين كبلوا تركيا الجمهورية باتفاقات أثقلتها قبل أن تعود للنهوض مع صعود تركيا الحديثة صناعيا وتكنولوجيا وعسكريا.

 

التأسيس والبناء

 

وتأسست القوة البحرية التركية المسماة (TDK) عام 1081 كجزء من القوات المسلحة التركية على يد البحار شاكاي بيه، وهو أول بحار تركي بدأ العمل على تكوين هذه القوة في إزمير.

 

وبعد توقيع اتفاقية هدنة مودانيا في عام 1922، افتتح المقر الأول لقيادة قوات البحرية التركية في منطقة قاسم باشا بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، حيث باشر مهامه في إصلاح وصيانة السفن المتضررة من معارك الحرب العالمية الأولى البحرية.

 

وفي عام 1923، أسست البحرية التركية أول قاعدة عسكرية في مضيق إزميت ببحر مرمرة إلى الشرق من إسطنبول بعد توقيع اتفاقية لوزان الشهيرة التي فرضت على البحر الداخلي التركي معايير الملاحة في البحار الدولية، وألحق بالقاعدة مقر القيادة البحرية ومركز للأبحاث وتطوير الملاحة العسكرية، قبل إنشاء مقر جديد للقيادة في إزمير بعد حرب الاستقلال.

 

وفي سبتمبر/أيلول من عام 1924، أي بعد عام واحد فقط من إعلان قيام الجمهورية التركية أبحرت أول سفينة تركية أطلق عليها اسم “حميدية كروزر” في البحر الأسود وكان على متنها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.

 

تحديث وتطوير

 

وتعاقبت القوانين واللوائح الإدارية الناظمة لعمل البحرية التركية التي ظلت تتخذ من مقر هيئة الأركان العامة مقرا لقيادتها منذ عام 1929 حتى عام 1949، حيث أسست مقر قيادتها في العاصمة أنقرة، والذي ما زالت تدار منه حتى اليوم.

 

ومثّل انضمام القوة التركية إلى بحرية حلف شمال الأطلسي (ناتو) في عام 1952 نقلة نوعية على صعيد هيكليتها وتأهيلها وأداء طاقمها ورفع كفاءتها بتطوير معداتها وتدريب القطاع البشري العامل فيها، لمواكبة المعايير المعمول بها في بحرية حلف شمال الأطلسي.

 

ولتلبية الاحتياجات المتزايدة والمتنامية للقوات البحرية، قامت قيادتها عام 1961 بهيكلة مؤسستها إلى 4 قطاعات رئيسة هي:

 

1- القيادة البحرية

 

2- قيادة منطقة البحر الشمالي.

 

3- قيادة منطقة البحر الجنوبي.

 

4- قيادة التدريب البحري.

 

وعمل الجيش التركي على تحضير البحرية للاستجابة للمهام القتالية العاجلة مع نشوء أزمة قبرص في ستينيات القرن الماضي، فأعطيت الأولوية لتأهيل المهابط وبناء السفن والمركبات البرمائية اللازمة لذلك.

 

كما وضعت قيادة العمليات خططا لتزويد خزانات السفن بالوقود بعيدا عن الشواطئ التركية، الأمر الذي أهّل البحرية لإتمام عملية الإنزال البرمائي الشهيرة بنجاح في قبرص وإعلان قيام جمهورية قبرص الشمالية عام 1974.

 

التصنيع والعهد الجديد

 

وشهد عقد ثمانينيات القرن الماضي استمرارا في صعود عمل البحرية التركية مع تطور نشاط حوض “غولتشوك” المائي الذي شهد في ذلك العقد إنتاج غواصة “القمر” التي تزن ألف طن، إضافة للفرقاطة الحربية (فاتح – 242)، كما تم إنشاء قاعدة “إكساز” بين بحر إيجة والبحر المتوسط.

 

واستمر نمو البحرية التركية وتطور أدائها بوتيرة ثابتة حتى بداية الألفية الثانية التي شهدت ثورة في برامج تطويرها ومشاريع تسلحها مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا.

 

وخلال الأعوام القليلة الماضية شهدت تركيا قفزة نوعية في نشاط قواتها البحرية على صعيد تصنيع المراكب والسفن وإدخالها في الخدمة، وعلى مستوى النشاط العسكري خاصة خلال أزمة شرق المتوسط الأخيرة.

 

وبعد مرسوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 المرتبط بتحول نظام الحكم إلى النظام الرئاسي، تم وضع القوات البحرية التركية تحت قيادة هيئة الأركان في وزارة الدفاع الوطني بحيث أصبحت تتلقى التعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية الذي يضطلع بمهام رئيس الحكومة التركية، بعد تحييد المجالس العسكرية التي كانت تمارس الوصاية على نظام الحكم في تركيا لنحو قرن من الزمان.

 

قوة رئيسية

 

وتعتبر البحرية التركية القوة الثالثة في الجيش التركي بعد سلاح القوات البرية والجوية، وهي تضم حاليا 149 قطعة بحرية بينها 16 فرقاطة و12 غواصة و10 من سفن الكورفيت و35 زورقا و11 كاسحة ألغام و33 سفينة إنزال وهجوم برمائي وسفن مساعدة متعددة المهام.

 

وتتخذ القوات البحرية التركية من العاصمة أنقرة مقرا لقيادتها ويقودها اليوم الأدميرال عدنان أوزباي وتدير أنشطتها عبر 10 موانئ ومحطات بحرية رئيسية ويعمل لحسابها 48 ألفا و600 عنصر ما بين مقاتلين وبحارة وعمال لوجستيات وإداريين، في حين تعمل لصالح القوة 75 طائرة متعددة المهام.

 

وتحتل تركيا المرتبة الـ 20 عالميا من حيث القوة البحرية، في الوقت الذي وضعت التصنيفات جيشها في مقدمة الجيوش بالشرق الأوسط وفي الرتبة الـ11 عالميا والثانية على مستوى حلف شمال الأطلسي “ناتو” بعد الولايات المتحدة الأميركية.

 

ويقول المسؤولون العسكريون الأتراك إن بلادهم تنتج اليوم أكثر من 70% من احتياجاتها الدفاعية والعسكرية بعدما كانت تنتج أقل من 20% منها في عام 2002، في مسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي مع حلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في عام 2023.

 

وخلال الأعوام الـ18 الأخيرة، ارتفع عدد الشركات العاملة في مجال الإنتاج الدفاعي التركي من 56 إلى 1500 شركة تسهم في 700 مشروع صناعي دفاعي بقيمة 60 مليار دولار لتحقيق خطتها نحو رفع قيمة صادراتها العسكرية إلى 10 مليارات دولار.

 

نماذج مهمة

 

وتمثل حاملة الطائرات “تي جي غي أناضول” واحدة من أهم منتجات الصناعة الحربية التركية، فقد جرى بناؤها بقدرات وطنية بنسبة 100% لتمنح البحرية التركية دفعة مهمة في البعد العملياتي والإسنادي البحري.

 

ويبلغ طول حاملة الطائرات التركية 231 مترا وعرضها 32 مترا، ووزنها بالحمولة الكاملة 27 ألف طن، وستتكون حمولتها من المروحيات المضادة للغواصات وأخرى من طراز “أتاك سي 129” المصنوعة بالكامل في تركيا.

 

كما يسمح بناء السفينة بإقلاع المقاتلات النفاثة ضمن المدارج القصيرة، وهي مزودة بأنظمة دفاع صاروخي مضاد للطائرات وآخر بحري متطور لحمايتها من التوربيدات المائية.

 

ويكتسب إنتاج هذه الغواصة أهمية خاصة لدورها في سد احتياج البحرية التركية لحاملات الطائرات وهي نقطة الضعف الأهم التي كان يواجهها سلاح البحرية.

 

أما غواصة “بيري رئيس” التركية المتطورة فدخلت الخدمة نهايات عام 2019 ضمن مشروع عملاق لإمداد البحرية التركية بـ6 غواصات متطورة عالية التسليح والتجهيز التكنولوجي بقدرات محلية بنسبة 100%.

 

 

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى