أخبار عربيةالأخبار

حين زرتُ العراق

لقد زرت العراق مؤخرا. هناك رأيت عدم المساواة في كل زاوية من الحياة اليومية.

 

لدي خبرة 30 عاما في العمل الإنساني. لكن ما رأيته في العراق كان أسوأ ما شاهدته خلال حياتي المهنية كلها من ناحية انعدام الخدمات الأساسية أو شحّها. للأسف، هذا هو حال ملايين من الناس في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

ذهبت مع زملائي في الهلال الأحمر العراقي إلى الحميدية على بعد ساعة بالسيارة من بغداد، للاطلاع مباشرة على عمل شبكة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. التقيت هناك بأشخاص ليس لديهم مياه صالحة للشرب أو خدمات الرعاية الصحية أو الكمامات لإبقائهم في مأمن من فيروس كوفيد-19. عندما سألت أما تحضر جلسة توعية حول الفيروس عن سبب عدم ارتدائها الكمامة، أجابت “سعر الكمامة الواحدة 40 سنتا. نحن عائلة مكونة من 5 أفراد. لا أستطيع تحمل كلفتها. أفضّل إنفاق هذا المال على الطعام”.

 

من غير المقبول أن الناس في القرن الحادي والعشرين لا يزال عليهم أن يختاروا بين إنفاق مالهم القليل على الغذاء أو على العلاج. خلال زيارتي، لاحظت كيف قام الهلال الأحمر العراقي والمنظمات الأخرى بعمل حثيث لسد الحاجات الهائلة في خدمات مياه الشرب، والصرف الصحي والرعاية الصحية، وتأمين سبل العيش ومصادر الرزق. لكن الاحتياجات كبيرة ولا تزال غير ملباة. للأسف رأيت كيف أن ملايين الأشخاص يعيشون من دون أبسط  شروط العيش الكريم الذي يحفظ كرامتهم.

 

أنت غني؟ إذن تنجو من كوفيد-19

 

في منطقتنا، الحقيقة المؤلمة أنه إن كنت غنيا فإن فرصك في النجاة من الإصابة بفيروس كوفيد-19 هي أعلى من فرص الفقراء. ذلك لأنك ببساطة قادر على أن تدفع تكلفة الدواء والاستشفاء إذا لزم الأمر. إذا كنت غنيا، لديك الماء والصابون لغسل يديك ويمكنك شراء الكمامة لك ولكل أفراد عائلتك، وبسهولة تشتري المحلول الكحولي لتطهير يديك.

 

كما يمكنك البقاء في المنزل أثناء الحجر وفترات الإقفال العام لأن لديك ما يكفي من المدخرات لشراء حاجياتك من دون أن تتوجه للعمل لأسابيع أو حتى لأشهر. الفقراء ليس لديهم أي من ذلك.

 

وأوجه عدم المساواة الناجمة عن جائحة كوفيد-19 لا تزال تقسمنا بين فئتين: غني وفقير. تصف منظمة الصحة العالمية ذلك جيداً “لقد اشترى 49 بلدا غنيا 39 مليون جرعة من اللقاح. ولكن لم يكن لدى دولة فقيرة واحدة سوى 25 جرعة”.

 

وفي حين أن لكل دولة الحق من الناحية القانونية في شراء ملايين اللقاحات التي تريدها، فإن هذا غير مقبول أخلاقيا.

 

ينبغي للدول القوية التي قادت الطريق نحو ميثاق حقوق الإنسان أن تعيد النظر في التزاماتها تجاه حماية الفئات الأكثر ضعفاً، لا سيما خلال أزمة تهدد الصحة العامة للإنسانية جمعاء.

 

وتشهد بلدان الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا حاليا، أعلى ارتفاع في معدلات الإصابة بالفيروس منذ بدء انتشار هذا الوباء. وفي بعض البلدان، تقترب النظم الصحية من نقطة الانهيار، بينما هي انهارت فعليا في بلدان أخرى.

 

فالملايين من الأشخاص، مثل اللاجئين والنازحين والمهاجرين، هم الأكثر عرضة للإصابة بعدوى الفيروس. إذا استمرت الدول الغنية في شراء إنتاج شركات اللقاحات على النحو الذي نراه حاليا، فإن هؤلاء الناس سيكونون في أسفل قائمة من سيأتيه الدور في تلقي اللقاح.

 

قومية اللقاح

 

إني أتفهّم دافع بعض الدول لحماية مواطنيها أولا من دون أن تقلق على تلقيح المواطنين في البلدان الأخرى. ولكن الحقيقة أننا بحاجة إلى حصانة جيراننا ضد الفيروس لكي نكون فعلا بمأمن منه. هذا ينطبق على الأفراد كما على البلدان.

 

وقد تحافظ “قومية اللقاح” على سلامة بعض الناس على المدى القصير، ولكنها لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد المعاناة على المدى الطويل.

 

نحثّ جميع الحكومات على دعم تجمع “كوفاكس” الذي يمثل، حسب رأينا، أفضل نهج لضمان حصول جميع البلدان على اللقاحات. هو جزء من التعاون العالمي الذي يهدف إلى التأكد من أن الأشخاص المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم، وبغض النظر عن ثروتهم، سيحصلون على لقاحات كوفيد-19. إنه أملنا الوحيد للتأكد من أن جرعات اللقاح تذهب إلى حيث هناك حاجة إليها، وليس فقط إلى حيث يمكن دفع ثمنها.

 

خطر عدم الثقة أعمق

 

لقد ولّد هذا الوباء شعورا بعدم الثقة. المثال الأكثر وضوحا عن ذلك هو عدم رغبة العديد من الناس في جميع أنحاء العالم بتطبيق النصائح الصحية الأساسية مثل ارتداء الكمامات، والمحافظة على المسافة الآمنة وعزل النفس طوعا عند وجود أعراض الإصابة.

 

وإذا استمر التوزيع غير العادل للقاحات، الذي نشهده حاليا، فإن عدم الثقة سيكون أعمق بل وأكثر صعوبة في التعامل معه. كل واحد منا لديه دور يؤديه للتأكد من أن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس هم من سيحصل على اللقاح قبل الأغنياء الأصحاء.

 

وحتى ذلك الحين، نحن في الصليب الأحمر والهلال الأحمر، سنتابع عملنا مع المجتمعات المحلية، في العراق وفي كل مكان آخر، لكي نبني الثقة في الإنسانية المشتركة وفي التضامن العالمي والخير العام. وسنواصل الدعوة إلى توزيع عادل ومنصف للقاح من خلال آلية “كوفاكس”.

 

خلال الشدائد تظهر الأخلاقيات المرء وأخلاقيات الدول.

 

لذا، عندما تكون شعوب الكرة الأرضية كلها تحت الخطر، علينا أن نعمل بما تمليه علينا مبادئنا الإنسانية القائمة على حماية الأضعف أولا صونا لكرامته وصونا لإنسانيتنا.

 

 

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى