مواضيع ثقافية وسياسية

اللغة العربية في الصين.. قصص طلاب أغرموا بها رغم صعوبتها

لعل قصة التحاق “لي شياو يويه” بالجامعة لدراسة العربية هي الأغرب من بين قصص كثير من زملائها الصينيين بذات التخصص، فمزحة واحدة من زميل لها قادتها لخوض تجربة تعلم “أعقد لغة في العالم” كما تقول.

 

وترجع “لي شياو” بالذاكرة 9 سنوات إلى الوراء، عندما كانت تستعد لخوض امتحان القبول للجامعة، حين ألقى زميل لها مزحة حول ارتفاع أسعار النفط بالدول العربية، ناصحا إياها بتعلم لغتهم لتحظى بفرصة عمل جيدة، وتضيف -للجزيرة نت- أنها وجدت نفسها تدرس لغة لم تعرف عنها أو المتحدثين بها أدنى فكرة.

 

صدفة الاختيار

 

ويجمع غالبية الصينيين من دارسي العربية أن تعلم لغة “الضاد” كان محض صدفة أو تلبية لرغبة العائلة.

 

ويقول جيان هاو يوي إن جده اختار له دراسة العربية بعدما كانت المفاضلة بينها وبين الألمانية، وكان ذلك قبل 10 سنوات، حيث اعتقد الجد أن الصين ستبدأ التعاون مع الدول العربية، وستكون لحفيده فرصة عمل جيدة.

 

أما “وانغ هايغانغ” فوجد نفسه مجبرا على اختيار تخصص العربية بعدما سبقه رفاقه في اختيار التخصصات الأخرى، ليجد نفسه يدرس لغة “تتشابك أحرفها مثل السلاسل” كما يصفها للجزيرة نت.

 

واختارت “تشاو نان” دراسة العربية لعزمها المسبق دراسة لغة شرقية قديمة، وأول ما استوقفها في العربية طريقة كتابتها وقراءتها من اليمين إلى اليسار بعكس لغات أخرى.

 

مشوار شاق

 

ورغم قلة عدد الأحرف العربية، فإنها كانت عقبة كبيرة في مشوار دراسة اللغة لكثير من الصينيين، فنطق بعض الأحرف بشكل سليم كان ولا يزال معضلة لغالبية المتحدثين بالعربية من الصينيين.

 

ويقول جيان هاو يوي إنه وكثير من رفاقه في التخصص فشلوا في نطق حرف الراء، حتى أن بعضهم استعان بالفلفل الحار للدغ لسانه حتى يتمكن من نطقه بشكل سليم، وكان تجربة ناجحة لبعضهم، مضيفا بأن الحروف “ص ض ط ظ” ما تزال تشكل التحدي بالنسبة له، ويخفق مرات كثيرة في نطقها بشكل سليم.

 

أما وانغ هايغانغ، فيرى أن الصعوبة التي واجهها بداية مشواره الدراسي تكمن في تشابك الحروف مع بعضها، بالإضافة لطريقة تكوين الجُمل وفق قواعدها السليمة. ويعترف بأن المحادثة أكبر تحد يواجهه الصينيون الناطقون بالعربية.

 

فرص وتحديات

 

وشكلت مبادرة “الحزام والطريق” الصينية فرصة ذهبية لدارسي العربية في بلاد التنين، فقد ازدهرت العلاقات مع الدول العربية بالنواحي كافة، وهو أمر انعكس إيجابا على مستقبل تدريس العربية في الصين.

 

وتقول وي تشي رونغ (رغدة) نائب عميد كلية الدراسات الشرق أوسطية، بجامعة الدراسات الدولية في بكين، إن التبادلات مع الدول العربية سهلت عملية الحصول على المراجع الدراسية ومصادر التعليم، ومنحت الفرصة لبعض الطلبة الصينيين لإكمال دراستهم في الوطن العربي.

 

وتشكل المصادر والمراجع الأصلية مادة جيدة للأساتذة الصينيين الذين يُدرِّسون العربية لتحسين أساليب التعليم، كما مكنهم التقارب مع الدول العربية من دعوة خبراء عرب لإلقاء محاضرات متخصصة، تسهم في تحسين مخرجات التعلم لدى الطلبة الصينيين.

 

وتشير “وي تشي رونغ” -للجزيرة نت- إلى أن التطور التكنولوجي ساعد دارسي اللغة في التغلب على كثير من صعوبات كان يواجهها الطلبة قبل سنوات عدة، لكنها تضيف بأن تحديات لا تزال تواجه الطلبة وتحول دون إتقانهم التحدث بالعربية، من بينها بدء تعلمها في المرحلة الجامعية وليس منذ الصغر، وتحدث أهلها بلهجات عامية يصعب على غير العرب فهمها.

 

وتتابع الأستاذة الجامعية أن تعلم العربية الفصحى يحوّل دون اندماج الصينيين المتحدثين بهذه اللغة في مجتمعات يتحدث أهلها بلهجات محلية عامية، إذ يصعب على الطلبة الصينيين تعلم اللهجات المحلية لكل بلد عربي.

 

 

كيف بدأت العربية في الصين؟

 

وتتحدث مراجع كثيرة عن تاريخ طويل للعربية في الصين. وتعتقد أغلبها أن بداية تعليمها كانت مع بداية دخول الإسلام إلى الإمبراطورية الصينية قبل نحو 1300 عام، وظل التعليم لمئات السنين يقتصر على المساجد التي ازدهر بناؤها بمدن الصين الشرقية الساحلية، مكان إقامة عدد كبير من التجار المسلمين الذين بدؤوا بالسفر شمالا تلبية لمتطلبات التجارة، وأخذت تتسع بذلك رقعة إقامة المسلمين بعد أن بدأت بعض القوميات تدين بالإسلام.

 

وخلال تاريخ الصين الحديث، يعود الفضل للمستعرب الصيني محمد مكين في إخراج تعليمها من أروقة المساجد، وإدراجها لأول مرة رسميا في مناهج التعليم العالي الصيني، وتعتبر مساهمته في تأسيس كلية اللغات الشرقية بجامعة بكين وإنشاء قسم العربية فيها، أساسا للتدريس الجامعي لهذه اللغة بالصين.

 

ويمكن للراغبين في دراسة العربية حاليا الالتحاق بنحو 70 جامعة ومعهدا في أنحاء البلاد، حيث يتخرج سنويا ما يزيد على ألف طالب في عموم الصين.

 

 

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى