اخبار تركياالأخبارملفات ساخنة

هل باتت الصناعات الدفاعية التركية تقلق الولايات المتحدة؟

في خطوة كانت متوقعة من قبل أنقرة، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أيام، فرضها عقوبات ضد تركيا، لما قالت إنه بسبب شرائها منظومة “إس 400” الدفاعية الروسية.

 

ووقعت العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية أساسا على هيئة الصناعات الدفاعية التركية ومسؤولين فيها، أولهم رئيسها إسماعيل دمير الذي أكد أن العقوبات لن تزيده وزملاءه إلا إصرارا على تحقيق الاكتفاء الذاتي خصوصا في الأسلحة الإستراتيجية.

 

ورداً على الخطوة الأمريكية هذه، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن بلاده ستسرع خطواتها في الصناعات الدفاعية لتبلغ الريادة العالمية.

 

واعتبر أردوغان أن العقوبات الأمريكية الأخيرة تمثل هجومًا صارخًا على الحقوق السيادية التركية، مبيناً أن الهدف الأساسي للعقوبات، قطع الطريق أمام القفزات التي بدأتها تركيا في الصناعات الدفاعية لجعلها تعتمد على الخارج.

 

رغم زعم واشنطن أن سبب العقوبات هو شراء أنقرة منظومة “إس 400” الجوية الروسية، إلا أن مراقبون يعتقدون أن النجاحات التركية في مجال الصناعات الدفاعية، ترجّح فرضية التبرّم الأميركي والأوروبي من النمو العسكري التركي المتزايد، وإلا فإن لدى “ناتو” دول أخرى غير تركيا تقتني منظومة دفاع صاروخي روسية -كاليونان مثلا- دون أن تلقى رد الفعل الغاضب، أو توقع عليها عقوبات مماثلة.

 

وسلّط تقرير نشرته “الجزيرة نت”، الضوء على التحولات التي شهدتها تركيا على صعيد الصناعات الدفاعية، وكيفية انتقالها من دولة تابعة للخارج في تأمين احتياجاتها في هذا المجال، إلى قطع يدها المتسولة للمعدات العسكرية من الخارج.

 

وأفاد التقرير أن تركيا تعلّمت الدرس باكرا منذ الحرب في قبرص عام 1974 من القرن الماضي، وأدركت من وقتها ألا دولة دون قوة عسكرية وصناعات دفاعية تحقق لها الاكتفاء الذاتي وتتجاوزه نحو التصدير.

 

وشهدت هذه القناعة التركية منعطفا مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي بدا ساعيا للاستفادة من القوى الدولية الرائدة رغم تناقضاتها، غير أن بعضا من تلك القوى لم يعد ينظر بعين الرضا لما حققته أنقرة ولطموحاتها في المجال العسكري، وتجلى ذلك في العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن على هيئة الصناعات الدفاعية التركية، وذلك بمبرر شراء أنقرة صواريخ “إس-400”.

 

وبررت واشنطن العقوبات بأن منظومة “إس-400” التي اقتنتها أنقرة تعرض أمن التكنولوجيا والعسكريين الأميركيين للخطر، كما تشكل نقطة ضعف لأنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو ما نفاه المسؤولون الأتراك.

 

ويقلل مراقبون من مدى تأثر تركيا بالعقوبات الجديدة، مستدلين بأنها لم تستهدف وزارة الدفاع التركية، لأنها برأيهم ترتبط مع واشنطن باتفاقيات إستراتيجية وتعاون عسكري رفيع وتاريخي، ويرجّح محللون ومتابعون للشأن التركي أن دافع تلك العقوبات المحدودة هو انزعاج أميركا من تطور الصناعات الدفاعية التركية بشكل تعددت بصماته في عدد من دول المنطقة.

 

فقد ظهر التفوق الدفاعي التركي على مدى السنوات الأخيرة في الساحة السورية ضد إرهابيي تنظيم “ب ي د/ ي ب ك” في الشمال السوري، وفي العام الأخير حين نجحت قوات حكومة الوفاق الليبية بدعم أنقرة من ترجيح كفة الميدان لصالحها في الغرب الليبي، على حساب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وتُوجت الفاعلية العسكرية التركية في الأسابيع القليلة الماضية في حسم معارك إقليم “قره باغ” لصالح أذربيجان ضد أرمينيا.

 

وكان حضور الطائرات التركية المسيرة طاغيا في كل تلك الساحات الحربية، بعد أن نمت صناعتها في العقد الأخير حتى غدت تركيا من أكبر أربع دول في العالم في مجال تصنيع الطائرات المسيرة، لدرجة أن وزير الدفاع البريطاني بن والاس أبدى مؤخراً إعجابه بالطائرات المسيّرة التركية، ومدى فعاليتها على الأرض، ولا سيما طائرة “بيرقدار تي بي2″، مقرّا في الوقت نفسه بابتكار أنقرة في مجال الدفاع رغم التضييق عليها.

 

وتعود بداية المحاولات التركية في الصناعات الدفاعية لعام 1965، مع بدء الخلاف بشأن القضية القبرصية وموقف حلفاء تركيا منها. فقد فرضت واشنطن على أنقرة حظرا لتصدير السلاح بين عامي 1975 و1978، وهو ما دفع أنقرة لوضع خطط لتطوير صناعتها العسكرية بوتيرة سريعة، وذلك بغرض القطيعة من الارتهان للاستيراد في تلبية حاجياتها العسكرية.

 

ففي أواسط ستينيات القرن الماضي، تم تأسيس جمعية خاصة بالصناعات البحرية، وفي عام 1970 أسست جمعية لتقوية القوات الجوية، وبعد حرب قبرص في العام 1974 جُمعت المؤسستان في فرع واحد.

 

وجاءت الخطوات الكبيرة بعد عام 1985 فيما يتصل بالتحول للصناعة العسكرية الدفاعية، والتي وفرت بداية ما نسبته 18% فقط من احتياجات الجيش التركي، بينما تبلغ هذه النسبة حاليا 70% ضمن مسار شمل كافة القطاعات. وفي عام 1988، تم تأسيس شركة تصنيع الصواريخ، وشركات عديدة أخرى، وباتت تركيا منذ عام 2000 دولة منتجة لمعظم أسلحتها.

 

ومنذ عام 2002، حققت تركيا قفزات استعرضها الرئيس أردوغان بنفسه قبل أشهر، مشيرا إلى ارتفاع ميزانية الدفاع إلى 60 مليار دولار مقابل 5.5 مليارات فقط عام 2002، كما ارتفع عدد الشركات العاملة في الصناعات الدفاعية خلال الفترة نفسها من 56 إلى 1500 شركة، فيما بلغت صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية عام 2019، قرابة 2.5 مليار دولار، مقابل نحو 250 مليون دولار فقط عام 2002.

 

 

المصدر: turkpress

زر الذهاب إلى الأعلى