ملفات ساخنة

هل بدأت تركيا تجاوز المعضلة الأكبر أمام صناعاتها الدفاعية؟

على مدى السنوات الأخيرة، شهدت الصناعات الدفاعية التركية تطوراً هائلاً، وباتت تركيا تصنّع طائرات مروحية ومسيّرة بالتزامن مع استمرار محاولات صناعة طائرة حربية متطورة إلى جانب صناعة الدبابات والعربات المصفحة والسفن الحربية وأنواع الذخيرة المختلفة، وصولاً لقرب الانتهاء من صناعة حاملة طائرات متطورة، وهو ما عزز من قدرات تركيا الدفاعية وقلل اعتمادها على الخارج ضمن مشروع الاستقلال الكامل في المجال العسكري الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ وصوله إلى الحكم قبل نحو 18 عاماً.

 

إلا أن هذا التطور الكبير في الصناعات الدفاعية براً وبحراً وجواً واجه على الدوام المعضلة التاريخية المتعلقة بصناعة المحركات، حيث عجزت الصناعات التركية حتى وقت قريب عن صناعة أي محرك بمواصفات منافسة حقيقية، وبقيت تعتمد على استيراد المحركات المختلفة من الخارج.

 

هذه المعضلة فتحت الباب أمام تشكيك المعارضة وأطراف خارجية مختلفة طوال السنوات الماضية بدقة إعلانات الحكومة التركية المختلفة عن صناعة طائرات أو دبابات أو سفن بإمكانيات وطنية كاملة، وذلك في ظل اعتماد معظم هذه الصناعات على محركات يتم استيرادها من الخارج، وذلك في ظل عجز القطاع الصناعي التركي عن تجاوز معضلة صناعة محرك وطني بمواصفات توائم متطلبات الصناعات الدفاعية.

 

كما أن العجز عن صناعة محرك وطني لمشاريع الصناعات الدفاعية أفشل جوهر مساعي الحكومة للاستقلال بشكل كامل عن الخارج والتقدم في صادرات الصناعات الدفاعية، حيث بقيت تركيا واقعة تحت تهديد الدول التي تبيعها المحركات، والتي مارست حتى وقت قريب ضغوطها السياسية على تركيا من خلال التلويح بوقف صادراتها في هذا المجال وهو ما أفشل بالفعل صفقات تركية ضخمة لبيع أسلحة لدول أخرى نتيجة اعتراض الدول المصنعة للمحرك.

 

وفي أبرز مثال على ذلك، فشلت تركيا العام الماضي في إتمام صفقة بيع طائرات مروحية قتالية تركية من طراز “أتاك” إلى باكستان وذلك نتيجة تدخل الحكومة الأمريكية والضغط على الشركة الأمريكية التي تبيع تركيا محركات الطائرة، وذلك عقب أزمة سياسية بين أنقرة وواشنطن، وهو ما فتح الباب أمام التشكيك بإعلان الحكومة بأن الطائرة صنعة بقدرات وطنية 100% وبالنتيجة فشلت أكبر صفقة في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية كانت تقدر قيمتها بمليار ونصف المليار دولار.

 

ومن أجل البدء ببرنامج صناعة الطائرة الحربية التركية، وقّعت أنقرة على اتفاقيات مع شركة بريطانية لتقدم الدعم في صناعة محرك الطائرة بشكل مشترك مع الشركات التركية القائمة على المشروع، كما حصلت أنقرة على دعم شركات ألمانية لمحركات دبابتها الوطنية “ألطاي”، قبل أن تعود لنفس المعضلة وتواجه مشاكل في توريد المحركات في أي اضطراب سياسي يحصل بين أنقرة وحكومات الدول الموردة، وهو ما دفع أردوغان للضغط بشكل أكبر من أجل التخلص من هذه المعضلة وصناعة محركات وطنية بأي طريقة ممكنة.

 

ولكن مؤخراً، بدأت نتائج مشاريع شركات الصناعات الدفاعية التركية المتواصلة منذ سنوات طويلة في إعلان نتائج مشاريعها والإعلان عن نجاح أكثر من شركة في صناعة محرك وطني بقدرات محلية، وسط إعلانات مختلفة عن صناعة محركات صواريخ وأخرى للدبابة التركية الوطنية، ومؤخراً محركات للمروحيات والمسيّرات التركية، وهو تطور يمكن أن يفتح الباب ولو بشكل تدريجي أمام تركيا لسد هذه الثغرة والتحول بشكل حقيقي وكامل نحو الصناعات الدفاعية الوطنية بشكل كامل 100%.

 

وفي تطور وصف بـ”التاريخي”، جرت السبت، مراسم تسليم أول محرك مروحيات محلي من إنتاج شركة “توساش” لصناعة المحركات (TEİ)، كما تم افتتاح مركز لتصميم المحركات في ولاية “أسكي شهير”، وسط البلاد، بمشاركة وزيريْ الدفاع والتكنولوجيا.

 

واعتبر أردوغان في كلمته بمراسم اختبار المحرك، أن بلاده تدخل مرحلة جديدة من الصناعات الدفاعية اليوم من خلال تصنيع محركات مروحيات محلية، ولفت إلى أن “توساش” لصناعة المحركات ستتحول إلى نموذج في مجال صناعة محركات الطائرات، من خلال الاستثمارات التي ستقوم بها والخبرات التي ستكتسبها في إطار مشروع تطوير المحرك التوربيني، مشيراً إلى أن المهندسين الأتراك سيعملون بفعالية وتنسيق أكبر في تصميم المحركات من خلال المركز الجديد.

 

وبيّن أن تركيا تقوم بإنشاء بنى تحتية خاصة باختبارات مشروع تطوير المحركات التوربينية والمحركات المشابهة، ومختلف أنواع المحركات مثل محركات الطائرات المقاتلة، ومحركات العربات المدرعة والدبابات، مضيفاً: نمضي بخطى واثقة نحو هدفنا في أن تصبح تركيا دولة رائدة في صناعة شتى أنواع المحركات بما فيها محركات الطائرات.

 

من جهته، أعلن وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك، أن بلاده باتت واحدة من بين سبع دول تمتلك تكنولوجيا المحركات التوربينية الغازية، وقال: بعد عمليات إصدار الشهادات اللازمة (للمحرك)، سنتخلص من التبعية الخارجية ونضع حدا لاستيراد تكنولوجيا متقدمة بقيمة 60 مليون دولار سنويا.

 

وقبل أيام، اختبرت شركة تركية محرك توربوجيت (نفاث) محلي الصنع، وأوضح وزير التكنولوجيا أن المحرك النفاث (Kale KTJ-3200) مخصص للصواريخ، وستعتمد عليه الصناعات الدفاعية التركية بدلا من المحركات المستوردة. كما تم استخدام محرك وطني في صاروخ متوسط المدى أعلنت عنه تركيا قبل أسابيع.

 

ومؤخراً، أعلن المدير الفني لشركة “بايكار”، سلجوق بيرقدار أن شركته تستعد لتزويد طائراتها المسيّرة المسلحة بمحرك محلي من صنع شركة “توساش/ تاي” للصناعات الجوية والفضائية، موضحاً أن المحرك سيزيد من قوة الطائرتين المسيرتين “أقينجي” و”بيرقدار تي بي 3″، لافتاً إلى أنه جرى اختبار المحرك على طائراتها.

 

وقبل أسابيع أيضاً أعلن أردوغان أن بلاده ستبدأ بأولى تجاربها الفضائية لمحرك صاروخ يعمل بالوقود السائل، مشيراً إلى أن اعتماد تركيا على الخارج في الصناعات الدفاعية انخفض من 70 إلى 30 في المئة، ولفت إلى أن المشاريع الدفاعية في تركيا كان عددها 62 عام 2002، إلا أنها ارتفعت إلى 700 في الوقت الحالي.

 

في سياق متصل، تستعد تركيا لإطلاق مركبات مدرعة ذات محركات محلية الصنع من إنتاج القوات المسلحة التركية عام 2021، وقال المدير العام لشركة (أف أن أس أس) للصناعات الدفاعية، إن المركبات المدرعة التي سيجري إطلاقها عام 2021 “تتميز ولأول مرة بمحركاتها محلية الصنع”، لافتاً إلى أن تلك المحركات جرى تطويرها وزيادة قوتها لتتناسب مع العمل العسكري بالتعاون بين رئاسة الصناعات الدفاعية في رئاسة الجمهورية التركية، والشركة التركية لصناعة المحركات.

 

 

المصدر: القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى