أخبار عالميةالأخبار

محامي فرنسي: بكل هذه القوانين الأمنية أدوات استعبادنا أصبحت جاهزة

ندد المحامي الفرنسي باتريس سبينوسي بالتراكم غير المسبوق للإجراءات الأمنية واختلال التوازن المؤسسي، وقال إن ترامب الفرنسي القادم ستكون تحت تصرفه “جميع الأدوات القانونية التي تسمح له بمراقبة السكان والسيطرة على خصومه السياسيين.

 

وفي مقابلة مع صحيفة لوموند Le Monde الفرنسية، قال المحامي بمجلس الدولة ومحكمة النقض إنه يرى في هذه القوانين نقطة تحول تهدد التوازن الديمقراطي وذلك لسببين، الأول هو تضخم غير مسبوق في التشريعات الأمنية، والآخر الحجر الصحي بما يفرضه من قيود على الحرية.

 

وفي الحوار الذي أجراه جان بابتيست جاكين، قال المحامي إن الناس يتعرضون لتدابير تقييدية استثنائية دون أن يعرفوا متى سيتم رفعها، وإن هذه القيود على الحرية لا تبدو شاذة في مواجهة أزمة صحية غير مسبوقة، لكن السؤال يتعلق بشرعية هذه القيود.

 

وأشار المحامي إلى أن سيادة القانون تعرف من خلال ضمان الفصل بين السلطات، حيث يصوت البرلمان على القانون وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذه، والقضاء يسيطر عليه، إلا أنه أثناء حالة الطوارئ -سواء كانت إرهابية أو صحية- تتخلى السلطة التشريعية عن جزء من مسؤوليتها للسلطة التنفيذية، وبالتالي يتم وضع المطلب الديمقراطي بين قوسين.

 

شخص واحد يقرر

 

وخلال السنوات الخمس الماضية -يقول المحامي- قضينا 3 سنوات في ظل حالة الطوارئ التي قد تكون مبررة، لكن من يحددها هو شخص واحد وهو رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وحكومته، والباقون ينتظرون بفارغ الصبر إعلانا من رئيس الجمهورية ليعرفوا كيف ستكون حياتهم في الأشهر المقبلة، وهذا بعيد جدا عن الديمقراطية البرلمانية التي نظر لها المفكران الفرنسيان توكفيل ومونتسكيو.

 

وعند سؤاله: ألا تستجيب الحكومة لتوقعات الجمهور فيما يتعلق بالأزمة الصحية ومكافحة الإرهاب وحماية أجهزة إنفاذ القانون في مواجهة أشكال الاحتجاج العنيفة؟ رد المحامي بأن توقعات الشعب الفرنسي الأمنية كبيرة، خاصة مع تعود المجتمعات المعاصرة على الاعتقاد بأن الإنسان يمكنه التحكم في كل شيء.

 

وأوضح أن التغطية الإعلامية الزائدة ترفع الشعور بعدم الأمان، وأن الجيل الحالي خائف، وبالتالي يستغل القادة السياسيون هذا الشعور إلى حد كبير منذ عام 2002، خاصة مع اقتراب عام 2022، حيث ستكون قضية الأمن على موضوع الانقسام الرئيسي بين الأغلبية الرئاسية والأحزاب اليمينية.

 

ووصل المحامي إلى أنه في هذا السياق -وبحسن نية- يتخلى الناس طواعية عن أسلوب حياتهم ويتركونه في يد الحكومة، وهم بذلك يبنون بهذه القوانين الأمنية أدوات استعبادهم في الغد.

 

وعلى أساس ما تقدم، يرى المحامي أن الخطر سيكون كبيرا عندما يصل إلى السلطة في انتخابات 2022 أو 2027 زعيم شعبوي أو ترامب فرنسي، لأنه سيجد أمامه جميع الأدوات القانونية التي تسمح له بمراقبة السكان والسيطرة على خصومه السياسيين، وسيكون الندم بعد أن فات الأوان بإصدار هذه القوانين، وسيطبقها رئيس لديه طموح ديمقراطي ضعيف بنية بعيدة تماما عن نية الحكومة الحالية.

 

ومن أمثلة ذلك المادة الـ24 من قانون “الأمن الشامل” المقترح التي تعاقب كل من يصور قوات الشرطة -سواء كان صحفيا أو مواطنا عاديا- بنية تقويض نزاهة ضابط الشرطة، إذ لن تقبل الشرطة بعد الآن تصويرها، وسوف تستخدم جميع وسائل القانون الجنائي لمنع ذلك، كمصادرة الهواتف أو الاعتقال أو الحجز لدى الشرطة.

 

مسار سيادة قانون مقلوب

 

وعندما يتعلق الأمر بحرية التعبير، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تبدي حذرا كبيرا من “الأثر المخيف” للقانون، وهو استخدام الدولة غير المتناسب لعقوبة جنائية تفرض على من يقوم بإعلام الجمهور بممارسة رقابة ذاتية، وهذا بالضبط ما يحدث -حسب الكاتب- حيث تثني الحكومة من خلال خلق هذه الجريمة الجديدة بعض الناس عن تصوير تطبيق القانون، مع أن حماية نزاهة أجهزة إنفاذ القانون أمر مشروع هو الآخر.

 

وبالتالي -يلاحظ المحامي- أن هناك محاولة لقلب مسار سيادة القانون، لأن المبدأ هو حرية الإعلام، ويجب أن يظل الحظر هو الاستثناء، إلا أن بعض الصور خلال الاحتجاجات الأخيرة كانت مدمرة للحكومة التي قررت -بوعي- استعادة سيطرتها على الموضوع.

 

ففي مخطط إنفاذ القانون الوطني تريد الوزارة التمييز بين الصحفيين “الحقيقيين” الذين ينتمون إلى وسائل إعلام معترف بها والصحفيين “المزيفين” العاملين لحسابهم الخاص والذين لا يحملون بطاقات صحفية، مع أن هؤلاء الصحفيين المستقلين الذين تريد إسكاتهم هم في السنوات الأخيرة من وقفوا في الخطوط الأمامية لتصوير عمل قوات الشرطة، وكانت صورهم في غرف التحرير الرئيسية.

 

وتطرق المحامي إلى ما كتبه مدير الشرطة موريس جريمود في مايو/أيار 1968 إلى أحد أفراد الشرطة “إذا ضربت متظاهرا سقط على الأرض فكأنما تضرب نفسك”، مؤكدا أنها جملة يصعب على المرء أن يتخيلها اليوم في فم قائد شرطة مثل ديدييه لالمان الذي تسول له نفسه أن يقول لإحدى المتعاطفات مع “السترات الصفراء”، “سيدتي، لسنا في نفس المعسكر”.

 

وخلص المحامي إلى أن القضاء ما زال مسيطرا على نطاق واسع، لكنه مع ذلك -حسب التجربة- لا يتدخل إلا على الهامش دون التشكيك في عمل الحكومة بشكل مباشر، لأن ذلك في التقاليد الفرنسية ليس دوره.

 

 

المصدر: لوموند

زر الذهاب إلى الأعلى