ملفات ساخنة

ابن المستشار المتمرد يعري ازدواجية السلطات في مصر حيال القاصرين

كشفت حادثة ما عرف بـ”ابن المستشار” أو “طفل المرور” الذي تعدى عدة مرات على شرطيين مصريين ازدواجية نظام السيسي في التعامل مع الأطفال ما بين تدليل أبناء النخبة واضطهاد أبناء المعارضين حيث يوجد عشرات القُصّر بالسجون لأسباب سياسية.

 

ورغم مرور أيام ما زالت حلقات هذه القضية تثير غضبا واسعا بعد ظهور الطفل في مقاطع فيديو تضمنت إهانته عناصر من الشرطة ومواطنين، وذلك ما بين تفاعل متجدد بمواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات صادرة من أطراف مختلفة.

 

قصة “حمادة” ابن المستشار أثارت الحديث عن “ازدواجية” تعامل السلطات المصرية، وخاصة مع القصر، ففي الوقت الذي ظهر تساهلها بشكل واضح مع نجل أحد القضاة، وثق حقوقيون الكثير من الحالات التي شهدت انتهاكات واضحة ومخالفة للقانون بحق قاصرين محسوبين على المعارضة.

 

بدأت قصة ابن المستشار، بانتشار مقطع فيديو لطفل عرف فيما بعد أن اسمه أحمد، وهو نجل أبو المجد عبد الرحمن، نائب رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية يقود سيارة رفقة عدد من أصدقائه القُصّر بأحد أحياء القاهرة، حيث تعدى لفظيا على شرطي مرور طلب منه رخصة قيادته، قبل أن يتجاوزه بطريقة مهينة كادت أن تصيبه.

 

وعلى إثر ذلك، انتشرت وسوم متعددة بموقع تويتر في مصر، أبرزها (حمادة ننوس المستشار) و(ابن المستشار) اللذين تصدرا لساعات، وطالب المتفاعلون عبرها بالقبض على الطفل ووالده، في حين استبعد عدد منهم محاسبته لنفوذ والده، وسخر بعضهم بتوقع قيام ثورة جديدة للانتصار للشرطة أمام تجاوزات أبناء السلك القضائي!

 

حالة الاستنكار الواسعة، دفعت النيابة العامة إلى إصدار بيان تكشف فيه عن استدعائها الطفل ووالده للتحقيق معهما، ثم أخلت سبيله وفُرضت غرامة على والده بقيمة 10 آلاف (630 دولارا)، ليعاود الطفل بالظهور في مقطعي فيديو آخرين يعتدي في أحدهما على رجل شرطة آخر، وفي الثاني يرمي البيض على أحد المارّة.

 

رد فعل الطفل، كان كفيلا بإشعال الغضب بشكل أوسع وشارك فيه مشاهير، ما دفع بالنيابة إلى توقيف الطفل و4 من أصدقائه، والإعلان عن إيداعه دار رعاية اجتماعية، وحبس أصدقائه على ذمة التحقيقات، فضلاً عن إخضاعهم لفحص مخدرات.

 

اعتذار واستنكار

 

على إثر ذلك، أصدر والد الطفل بيان اعتذار، أكد فيه رفضه التام لما بدر من ابنه من تجاوزات، مؤكدا أنه وابنه ليسا فوق القانون.

 

آخر حلقات المسلسل، بيان نادي قضاة مصر، استنكر فيه الواقعة، مؤكدًا أن هذا التصرف “فردي لا ينبغي تعميمه على أبناء القضاة كفئة من فئات المجتمع”، ومنددا بما اعتبرها “حملة على السلطة القضائية واتخاذ البعض الواقعة كذريعة للنيل من القضاء”، كما طالب المصريين بـ “الحفاظ على صون القضاء”.

 

ومعلقة على ذلك، تشير مديرة منظمة هيومن رايتس مونيتور سلمى أشرف، إلى أن ازدواجية تعامل السلطات المصرية يكشفها بشكل واضح الإجراءات التي تم اتخاذها بشأن ابن المستشار وأصدقائه، ففي الوقت الذي تم الاكتفاء بإيداع الطفل إحدى دور الملاحظة، تم اعتقال رفقائه والتجديد لهم على ذمة التحقيقات.

 

ولفتت في حديثها للجزيرة إلى أن المنظمات الحقوقية رصدت الكثير من الحالات التي تعكس فساد السلطات في التعامل مع القُصّر وازدواجيتها في ذلك، فابن صاحب النفوذ لن يتعرض بحال لما يتعرض له غيره من القصر، وفي مقدمتهم من يتم إيقافه بتهم سياسية، وكذلك أطفال الشوارع.

 

قضاء مهترئ

 

وأرجعت سلمى ذلك إلى أن القضاء المصري “مهترئ”، ولا قانون حقيقيا أو رقابة حاضرة بالساحة المصرية، تساعد في منع هذه التفرقة والازدواجية في المعاملة، الواضحة وضوح الشمس.

 

وأضافت الحقوقية المصرية أن من أبرز النماذج الفجة التي تكشف ازدواجية السلطات المصرية، اعتقال فتى الـ “تي شيرت” محمود محمد مدة تجاوزت عامين، والذي لم يتجاوز عمره حين اعتقاله 17 عاما، وذلك لمجرد ارتدائه سترة كتب عليه “وطن بلا تعذيب” خلال احتفاله بذكرى ثورة يناير.

 

واعتبرت سلمى أشرف بيان الاعتذار الذي نشره والد الطفل وبعده بيان نادي القضاة جاء نتيجة لحجم الغضب والاستياء اللذين اجتاحا الشارع المصري، وكان هدفهما امتصاص الغضب، مستبعدة أن يؤدي ذلك في النهاية إلى حساب حقيقي للمخطئ أو معالجة لأسباب هذه الظاهرة.

 

وحسب حقوقيين، فإن وقائع القبض على الأطفال ومحاكمتهم بدأت منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع، وما زالت مستمرة، وآخرها اعتقال طفلين من النوبة جنوبي مصر، هما معتز أحمد عبد الحارث، ويحيى خالد عبد الرازق، البالغان من العمر 12 و11 عاما، على خلفية احتجاجات سبتمبر/أيلول 2020،  قبل الإفراج عنهما لاحقا.

 

ثقافة الاستعلاء

 

الحقوقية نيفين ملك، قالت إن المشكلة لا تتمثل في كون الطفل الذي ظهر في هذه المقاطع، ابن مستشار ينتمي للسلك القضائي، وإنما في ثقافة الاستعلاء التي ظهرت بشكل جلي لدى الطفل ومرافقيه، وهي مرتبطة بمن يرى أن لديه أو لدى من يتبعه نفوذا يجنبه المساءلة.

 

ولفتت في حديثها للجزيرة نت أن الأمر ليس محصورا في فئة بعينها، فربما تكونت مثل هذه الثقافة لدى فئات أخرى غير القضاة، كرجال الأعمال أو من هم في قطاعي الشرطة والجيش.

 

وأوضحت أن الأمر تحول إلى أن كل من له نفوذ يتغول على من يراه أدنى منه، حتى بين الفئات والطبقات التي يرى كل منها في نفسه صاحب نفوذ أكبر من غيره، وفي نهاية الأمر تكون الغلبة للأقوى حسب كل واقعة.

 

وشددت في حديثها على أن القوانين والدساتير لم تشرع لتكون مجرد حبر على ورق، وإنما لتكون فاعلة ونافذة على الجميع وفي مقدمتهم السلطة ذاتها، دون محسوبيات ومجاملات، لتحمي كافة الحقوق والحريات، ولتضمن لكل فرد في المجتمع حقوقا متكافئة محمية من تغول السلطة، وتغول الأشخاص أنفسهم بعضهم على بعض.

 

وبحسب آخر رقم صادر عن مركز بلادي للحقوق والحريات، فإن السلطات المصرية تحتجز 60 طفلا و75 قاصرا في سجونها على خلفية اتهامات سياسية، يتوزعون على السجون وبعض أقسام الشرطة، بينما تحتجز السلطات عددا كبيرا من القصّر في زنازين مشتركة مع البالغين على خلفيات “جنائية وإرهابية”.

 

فوق القانون

 

بدوره، يرى الوكيل السابق للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى عز الدين الكومي، أن قضية ابن المستشار “المدلل” والتي جاءت بعد أيام من تسريب الصحفي عبد الرحيم علي، تؤكد وجود “طبقية بغيضة” تعيش فوق القانون، ولا يستطيع السيسي نفسه محاسبتها.

 

وتابع في حديثه للجزيرة ، “هذا الصبي لو كان ابن شخص من عامة الشعب، كان أمين الشرطة سيقوم بسحله”، مشيرا في هذا السياق إلى نماذج لأطفال تم اعتقالهم، منهم “طفل المسطرة” والذي أمرت نيابة كفر الشيخ حبسه، بتهمة حيازته مسطرة عليها علامة رابعة.

 

وكشف الكومي إلى أن هناك أكثر من 200 طفل يعتقلهم النظام وينكر اعتقالهم، مشيرا كذلك إلى حالات إخفاء قسري طالت رضعا مع أسرهم.

 

ويرى وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق أن هذه الازدواجية، محصلتها الطبيعية “ضياع العدالة وفقد الثقة في القضاء، الذي ترسخ لدى المنظمات الحقوقية الدولية عدم أهليته وافتقاده لأي مصداقية حقوقية”.

 

بدورها، ترى الباحثة الاجتماعية صفاء محمد أن هذه الواقعة تعكس نموذجا تربويا متفشيا في الطبقات العليا بمصر، حيث يتربى الأولاد على أنهم فوق القانون وفوق سائر طبقات المجتمع، وأن نفوذ آبائهم يحميهم من أي مساءلة، فينعكس ذلك على تعاملاتهم في كل الدوائر التي يتعاملون معها.

 

واعتبرت في حديثها للجزيرة أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين أو من يتولى التربية، رافضة تحميل البيئة والواقع المسؤولية، مشيرة في هذا السياق إلى وجود بيئات أكثر فسادا إلا أن الطبقات العليا فيها تحافظ على مستوى من التربية تراعي فيه الدين والفطرة السليمة.

 

 

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى