أخبار عربيةالأخبارلبنان

لبنان يتفكك ولا أمل لسكانه إلا الهجرة عبر البحر

“لبنان في حالة من الانهيار البطيء ولا أمل لدى سكانه”، تقرير أعده مارتن شولوف ونشرته صحيفة “أوبزيرفر”. فبعد سنوات من الحرب الأهلية وفساد مستشر في كل مناحي الدولة، وأخيرا الانفجار الذي هز العاصمة بيروت، لم يعد هناك أمل بتغير الأوضاع، بل التدهور.

 

وأشار شولوف إلى أن محمد خلدون باع بداية أيلول/ سبتمبر عقد أخته وجمع ما استطاع من عائلته وأصدقائه ليوفر 400 دولار للمهرّب في مدينة طرابلس، شمال لبنان. وركب قاربا مهترئا مع آخرين باتجاه جزيرة قبرص.

 

وقالت شقيقته فاطمة التي أعطته عقدها “سافر بدون وداع” و”كان القارب قديما ولكن المهرّب قال إنه فقط للتحرك مسافة 200 متر ثم ينقلون إلى قارب أفضل. وسرق منهم الحقائب وطعامهم والماء وتركهم بدون شيء”.

 

وبعد ذلك غرق القارب مثل كل قوارب المسافرين في الدول الجارة، مصر وليبيا وسوريا التي هرب منها عشرات الآلاف من الباحثين عن فرصة حياة جديدة منذ 2015 ليبتلعهم البحر الأبيض المتوسط. ولكن لبنان كان مختلفا، كان واحة أمان فيه خيارات للناس غير الهرب عبر المحيطات.

 

واليوم أصبح حلم الرحيل أكثر إغراء من الماضي؛ بسبب تفكك البلد بطريقة سريعة. ولا شيء يوضح هذا الانهيار أكثر من الانفجار الذي هز بيروت في الرابع من آب/ أغسطس، وقتل 200 وجرح المئات، ودمر 70 ألف بناية، بعد انفجار مستودع خزنت فيه أطنان من نترات الأمونيوم تركت على حالها لأكثر من ستة أعوام.

 

وأصبح مرفأ بيروت حيث بدأ الانفجار علامة على آلام البلد المتزايدة. ففيه تنافست الفصائل السياسية على أخذ مكان وحصة من الموارد. وهو ما أثار السكان المتعبين والغاضبين في نفس الوقت.

 

وقال حسين ترموس (36 عاما) من مرج عيون في جنوب لبنان والذي يعيش بمنطقة الضاحية الجنوبية في بيروت: “صدقني لو حصلت على تأشيرة في أي مكان في العالم، فسأكون هناك بسرعة دقات القلب” و”كل ما يهمني هو الحصول على الضروريات اليومية: الطعام وشرابي ودخاني”.

 

وبالنسبة لترموس وغيره من الذين يواجهون انخفاضا في العملة اللبنانية والتضخم والبطالة، فالحصول على الفتات لم يعد خيارا. ويقول الموسيقار رابح خير الدين: “المشكلة هي عدم وجود أمل لتغيير الوضع”.

 

وكانت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما واحدة من الهزات التي تعرض لها لبنان وتخللها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ثم الوجود السوري الذي انتهى بعد اغتيال أشهر رئيس وزراء وهو رفيق الحريري في عيد الحب عام 2005، وكلها حوادث زادت من عدم الاستقرار.

 

ثم اندلعت حرب بين حزب الله وإسرائيل عام 2006 قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 والتي زادت من عدم الاستقرار، وأدت لتدفق أكثر من مليون لاجئ  إلى الأراضي اللبنانية.

 

ولم تتوقف التظاهرات طوال هذا الوقت، لكن الاحتجاجات التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وتجاوزت الفواصل الطائفية، كانت إيذانا كما اعتقد البعض بنهاية السلطة الهشة. وكان الحافز للتظاهرات هو زيادة تعرفة مكالمات “واتساب” للتغطية على الفساد الذي قاد لانهيار النظام المالي.

 

وكان اندلاع التظاهرات من الشمال إلى الحدود السورية وإسرائيل علامة أمل على أن الشعب اللبناني بدأ يتحكم بمصيره دون اللجوء إلى التصنيفات الطائفية والحزبية، لكن التظاهرات قادت إلى وضع يشبه مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وهو الشلل والجمود.

 

واتهم السكان النخبة الحاكمة التي رفضت الإصلاح السياسي والاقتصادي بتعزيز الانهيار. وامتدت الطوابير في مدن الشمال أمام المخابز حيث يحتاج اللبنانيون للدعم لأول مرة منذ الحرب الأهلية.

 

فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية والدواء والوقود المدعم بأربعة أضعاف، ولم يعد لدى الحكومة المال الكافي لمواصلة الدعم، حيث ستنضب الأموال في الأشهر القادمة. والنتيجة هي العيش تحت خط الفقر بنسبة 70%.

 

فالسنة التي مضت على التظاهرات، تفوّقت على السنوات السود أيام النزاع الطائفي والتي دمرت البلاد وقتلت حوالي 115.000 ألفاً، وكانت آخر الكوارث انفجار يوم الجمعة عندما انفجر مخزن وقود في داخل بناية ببيروت وقتل أربعة أشخاص.

 

وقال المقاتل في الحرب الأهلية نبيل حداد: “كنا في ذلك الوقت نعرف من هو العدو” و”كان الطعام متوفرا على الطاولة والمال في البنوك، ويبدو الأمر غريبا، فقد كنا نستطيع الحياة وكنا نعرف أنها ستنتهي (الحرب) وليس هذا الوقت”.

 

وبالنسبة للكثير من اللبنانيين، فأسوأ ما في العام الماضي ليس تراجع قيمة العملة اللبنانية التي أثرت على مدخراتهم في البنوك، ولا انفجار مرفأ بيروت ولكن “معرفة أن هناك حلولا موجودة ولكن الأنانية والتبعية للمصالح الخارجية هي التي تمنعهم من أخذها” كما تقول سارة إدريس، المدرّسة من مدينة صيدا، وتضيف: “لا أصدق أن هذا لم يؤد إلى احتجاجات واسعة حتى بين الطوائف، ولا أصدق أننا لم نعد نتحدث بحرية حول المصالح التي لا تريد نجاحنا”.

 

وتقول ضيا سليمان من حي الجميزة القريب من مرفأ بيروت، والتي كانت تأخذ الدهان لإصلاح بيتها المدمر، إن الرئيس الفرنسي جاء إلى لبنان ووعد بتقديم المساعدة وطلب من المسؤولين التصرف بمسؤولية ولكنهم عاندوه.

 

وزار إيمانويل ماكرون لبنان مرتين بعد الانفجار، وذهب إلى المنطقة المتضررة، وطلب من قادة لبنان النظر بعيدا عن مصالحهم الضيقة وإنهاء نظام المحسوبية والرعاية لجماعتهم الحزبية والطائفية.

 

وكان مطلب ماكرون الرئيسي هو إصلاح النظام المسؤول عن الفساد والعجز الذي تبدى بشكل واضح بعد الانفجار. وكان هذا النظام قد تأكد بعد نهاية الحرب الأهلية ومؤتمر الطائف في السعودية الذي اتفق فيه المتحاربون على توزيع المؤسسات الثلاثة المهمة في البلاد، وهي الرئاسة، ورئاسة الوزراء والبرلمان، والتي تم تقسيمها بين السنة والشيعة والمسيحيين الموارنة.

 

لكن هذه المؤسسات أصبحت مركز أصحاب المصالح والدول المؤثرة في البلاد خاصة بعد الحرب. وأثرت جماعات المصالح من عمليات الإعمار. وفي عام 2016 شكّل سعد الحريري حكومة، وتم تعيين ميشتل عون الذي تحالف حزبه مع حزب الله بحيث تعززت قوته ولديه الآن مع حلفائه 70 مقعدا من 128 مقعدا في البرلمان.

 

وقال دبلوماسي على معرفة بطريقة تفكير حزب الله: “كانوا مصممين على عدم الاستجابة لحركة الاحتجاج، لا تنازلات من أي نوع” و”كانوا في حالة حرب ومن ذلك الوقت بدا أنهم لا يهتمون بما يحدث للدولة طالما ظلوا في القمة”.

 

وفي بداية العام، زادت الولايات المتحدة من الضغوط على حزب الله،، حيث اعتقدت أن الضغط على حلفاء إيران في لبنان وسوريا سيضعفهم. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، تحرك الصقور باتجاه توجيه الضغط على حزب الله من خلال فرض العقوبات على مسؤولين وهيئات تجارية، فيما يتحرك مجلس الشيوخ باتجاه قرار ينص على عدم الاعتراف بالحكومة اللبنانية طالما كان فيها حزب الله.

 

وقال مسؤولو الحزب إنهم لن يقعوا في مصيدة واشنطن قبل تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة. من جهتهم يقول المسؤولون اللبنانيون إن الحزب لن يسمح بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة الأخيرة إلا بناء على الشروط المناسبة له.

 

وفي يوم الخميس، قال سعد الحريري إنه مستعد للعودة إلى الحكومة، مما سيكون ضربة للمتظاهرين الذين طالبوا بإصلاح كامل للنظام السياسي. ولم يرد ماكرون على رغبة الحريري بالعودة، خاصة أنه طالب بالتغيير.

 

لكن الحكومة الأخيرة التي كلف بها مصطفى أديب لم تخرج للعلن بسبب “المعوقات التي وضعها حزب الله” كما يقول دبلوماسي أوروبي، مضيفا: “لا يريدون منح ماكرون انتصارا، ويريدون وزارة المالية لإظهار من هو المسؤول”.

 

وبعد ذلك قال ماكرون: “لا يستطيع حزبٌ العمل كجيش ضد إسرائيل وميليشيا ضد المدنيين في سوريا، وكحزب سياسي محترم. وعليه ألا يعتقد أنه قوي ويجب أن يظهر احتراما لكل اللبنانيين. وكشف في الأيام الأخيرة عكس هذا”.

 

 

المصدر: القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى