أخبار عربيةالأخبارمصر

هدم المنازل يجتاح القرى المصرية

رغم كونه من أصحاب الاحتياجات الخاصة ورغم المشاكل المادية التي يعاني منها فإن حال المصري عبد النبي لم يشفع له عند المحليات، حيث كان على موعد مع الحبس بدعوى البناء بلا ترخيص في إحدى قرى محافظة الغربية، فقد تحطمت أحلامه بتوفير بيت لأبنائه الأربعة على صخرة قانون مخالفات البناء الذي بات حديث الساعة في مصر مؤخرا.

 

حلم عبد النبي انتهى بين ليلة وضحاها، وبات تحت تهديد التشرد في الشارع بدعوى المخالفة، حيث تمت إزالة الطابق الثاني من بيته الذي لا تتعدى مساحته 50 مترا، وذلك لعدم توافر شروط التصالح مع حالته.

 

يقول عبده شحاتة -وهو أحد أقارب عبد النبي- إن السلطات لم تراع حالة الرجل كونه فقيرا وعاملا زراعيا سابقا باليومية، ترك المهنة بعد إصابته ببتر في يده اليسرى خلال عمله، موضحا أن السلطات المصرية لم تكتف بإزالة سقف البيت الذي كان يطمح إلى توسعته لتزويج ابنه الأكبر، لكنها اعتقلته كذلك بذريعة عدم وجود ترخيص للبناء.

 

وفي حديثه للجزيرة نت، يطالب شحاتة بمراعاة البسطاء أمثال عبد النبي، خاصة أن أهالي القرى يعانون الفقر ويتجهون مضطرين لبناء أو توسعة منازلهم البسيطة، وينفقون في سبيل ذلك كل ما يملكون من حطام الدنيا.

 

قانون التصالح

 

عبد النبي ليس وحده، حيث يواجه الآلاف خطر إزالة منازلهم في القرى المصرية، والتي تختلف قصصها من شخص إلى آخر، إلا أن الرابط بينهم هو قيامهم بالبناء كما اعتادوا دون الحصول على ترخيص بالبناء من السلطات المحلية، وهو أمر كان منتشرا في الريف وتغض السلطات النظر عنه.

 

لكن ما يشعر الناس بالقلق أكثر هو شعورهم بأن الدولة تقوم بالهدم لإخافة الباقين بهدف الإسراع بالتصالح ودفع مبالغ باهظة، مما يعني أن الأمر أقرب إلى جباية الأموال منه إلى فرض النظام أو تطبيق القانون.

 

ويحدد القانون رقم 17 لسنة 2019 سعر المتر المخالف بحد أدنى 50 جنيها، وحد أقصى يصل إلى ألفي جنيه، وهو ما يتحدد وفق سلطة المحافظة وطبيعة البناء (الدولار نحو 16 جنيها).

 

ويجوز التصالح وفق اشتراطات محددة، منها على سبيل المثال السلامة الإنشائية للعقار، وعدم البناء داخل أرض ملك للدولة، وألا يكون البناء حديثا، بحيث يكون قد تم قبل 22 يوليو/تموز 2017، وهو آخر تاريخ للتصوير الجوي للمخالفات.

 

ويقدر حجم مخالفات البناء في مصر بنحو مليونين و800 ألف مبنى مخالف، و1.7 مليون وحدة مخالفة، وقرابة 400 ألف دور سكني مخالف، بإجمالي 20 مليون وحدة مخالفة، بحسب المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية الدكتور خالد قاسم في تصريحات إعلامية أدلى بها في 18 يوليو/تموز الماضي.

 

ويهدف القانون إلى تحصيل أموال من المخالفين لخزانة الدولة، وإنفاقها على مشاريع البنية التحتية بواقع 39%، ولصندوق الإسكان الاجتماعي بواقع 25%، ونسبة لا تزيد على 1% لإثابة أعضاء اللجان.

 

وتعكس القرارات التي تنفذها المحليات توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدم التهاون مع المخالفين في البناء، خاصة مع انفعاله الأسبوع الماضي على الهواء مباشرة، وتهديده باستخدام الجيش لإبادة المخالفات، قبل أن يعود ويستخدم مصطلح الإزالة.

 

محاسبة الفاسدين

 

يقول محمد رمضان -وهو متضرر آخر مهدد بهدم منزله في إحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر- إنه بنى بيته المتواضع على أرضه مثل كثير من الفلاحين بسبب عدم توفير بديل من الدولة رغم أن الدستور المصري ينص على الحق في المسكن والحياة الكريمة، وهو ما لم توفره الدولة رغم الزيادة السكانية.

 

وفي حديثه للجزيرة نت، تساءل رمضان “هل أنفق أموالي على بناء سيتم هدمه فيما بعد؟ أين الجهاز المحلي طوال الفترة الماضية؟ وأين المسؤولون عن محاسبة السلطات المحلية قبل التنمر على الفلاح البسيط؟”.

 

ورغم شكاوى المتضررين التي لاقت صدى واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمتخوفين من قرارات الهدم لمنازلهم فإن تعليق الحكومة كان واضحا، حيث قال المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد إن الخطأ يعود على صاحب البناء المخالف، مؤكدا على عدم وجود تعويضات للمخالفين.

 

لكن بسبب تصاعد الغضب الشعب وزيادة الاحتقان في الشارع المصري -خاصة مع زيادة الأسعار- اتجهت العديد من المحافظات إلى تخفيض أسعار التصالح، كما أعلنت الحكومة عن تسهيلات في التصالح تشمل التقسيط لمدة 3 أعوام.

 

إجراءات ضرورية

إن اهتمام الدولة بمحاربة البناء المخالف أمر إيجابي للقضاء على عشوائية المخالفات التي ترهق كاهل الدولة، خاصة بالنسبة للكهرباء والماء والصرف الصحي والغاز، وهي الخدمات التي يستهلكها وينتفع بها المخالفون بصورة غير قانونية، مما يزيد الضغط على الخدمات”، هكذا يبرر استشاري الإدارة المحلية حمدي عرفة الإجراءات الحكومية.

 

وفي حديثه للجزيرة نت، شدد عرفة على ضرورة تطبيق القانون بشكل خاص داخل القرى في ظل التوسع العشوائي بالرقعة الزراعية التي تعتبر مصدر الأمن الغذائي لمصر.

 

واعتبر عرفة أن تحديد موعد 30 سبتمبر/أيلول آخر موعد للتصالح بحاجة لإعادة النظر، في ضوء ارتفاع نسب وحجم المخالفات، وفي ظل ارتفاع تحديد تسعيرة المتر، منتقدا تساوي النسبة المقررة لإثبات جدية التصالح في القرى مع المحافظات بواقع 25%، كما أن نظام التقسيط لدفع التصالح يعطي مدة 3 سنوات فحسب، وهي مدة لا تتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية للمواطنين في ظل أزمة فيروس كورونا، حسب رأيه.

 

وتابع استشاري الإدارة المحلية أن المواطن لا يرغب في البناء المخالف أو عدم الترخيص من البداية، لكن البيروقراطية وصعوبة وتعطيل إجراءات استخراج التراخيص تجبره على ذلك، عوضا عن غياب دور الدولة خلال فترة ما بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، مما أدى للكثير من المخالفات في البناء.

 

ولفت إلى أن تعدد الإجراءات وطولها وعدم وجود شباك واحد للتعامل بين المالك والحكومة زاد الظاهرة، إلى جانب الفساد المستشري في المحليات.

 

وأضاف أن هناك غيابا لدور الإدارات الهندسية خلال الأعوام الأخيرة والمنوطة بها إقامة المباني واستخراج التراخيص بالمحافظات، بل والتفتيش على تراخيص البناء، أي أن بناء العقار يصبح مسؤوليتها في المقام الأول.

 

 

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى