أخبار عالميةالأخبار

مسلسل أرطغرل في باكستان صورة عن القوة الناعمة لتركيا

في بلد يتنازعه التأثير السعودي والغربي بات اليوم أسير القوة التركية الناعمة، فقد وجدت الدراما العثمانية “أرطغرل” جمهورا متحمسا للرواية العثمانية.

 

وتقول فاطمة بوتو بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي”: “عندما نشرت إسرا بيلجيك، 27 عاما، نجمة مسلسل قيامة أرطغرل صورة أظهرت ملامح جسدها لم تكن تتوقع الحسرة التي تبعت نشر الصورة”. وتلعب بيلجيك دور حليمة خاتون، الأميرة السلجوقية المحاربة وزوجة الغازي أرطغرل وأم عثمان، مؤسس الدولة العثمانية.

 

ورغم أنها حظيت بتعليقات من المعجبين إلا أن مجموعة عبرت على أقل تقدير عن حزنها. وقال أحدهم: “أين حليمة التي شاهدتها ليلة أمس؟” وكان يعبر عن مواقف أبناء وطنه وهو يحاول التوبة عنه وأبناء وطنه و”ماذا ستقولين عندما يسألك الله عن هذه الصورة؟ كوني مباركة، الحب من باكستان”.

 

ويعبر التعليق عن مدى انتشار ديزي/ الدراما التركية في باكستان التي أصبحت في المرتبة الثانية بعد الدراما الأمريكية. وأصبحت اللغة التركية الأكثر مشاهدة على مستوى العالم، متفوقة على الفرنسية والإسبانية ولغة الماندرين الصينية.

 

وتم بيع أرطغرل الذي بدأ تصويره عام 2014 وعرض على نتفليكس إلى 72 دولة حول العالم. وعندما عرضت الحلقة الأخيرة منه على “تي أر تي” التركية والذي تزامن مع ذكرى فتح القسطنطينية وسقوط الإمبراطورية البيزنطية بحث الناس في يوتيوب عن الحلقة أكثر مما بحثوا عن حلقات “لعبة العروش”.

 

وتعود الحقبة التاريخية للمسلسل إلى القرن الثالث عشر حيث قاد الغازي أرطغرل قبيلته كايي في معارك ضد البيزنطيين والمغول والصليبيين. وتم تصويرها بتقنية عالية وتحتوي على عاطفية تلعب على مظاهر قلق تركيا وكل العالم الإسلامي. ولعب دور أرطغرل إنجين ألتان دوزيتان والذي عاش في عالم لم يتعرض فيه أبناء العالم الإسلامي لإهانة أو هزيمة. فقد توسع الإسلام منذ وفاة النبي محمد من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى جبال الإندوز، وصور أرطغرل كرجل نبيل ويستحق المجد الذي منحه له شعبه والناس الغرباء، فهو مؤمن وشجاع وعادل حتى عندما كان يحيط به الجواسيس والخونة.

 

ومرة بعد الأخرى يقابل أرطغرل القوى العالمية المغول أو الصين، البيزنطيين أو الغرب اليوم وفرسان المعبد أو القوى المسيحية.

 

وعبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سعادته لدخول المسلسل “قلوب الأتراك”. ومنتجه كمال تيكدين هو عضو في حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان. أما كاتب النص محمد بوزداق فهو إن لم يكن عضوا يعتبر معجبا بالحزب وزعيمه. وغرد قائلا بعد تحويل أيا صوفيا إلى مسجد: “86 عاما  من الحنين انتهت”.

 

وزار حفيد الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا موقع تصوير المسلسل والتقط صورا وهو في زي قبيلة كايي. كما زار الموقع نيكولاس مادورو، الرئيس الفنزويلي. وشعر مادورو بعاطفية شديدة لدرجة أنه فكر باعتناق الإسلام، كما زعم بوزداق.

 

ولم تكن باكستان أول بلد يهيم بالمسلسل وتعيش هستيريا أرطغرل. فلغة الأوردو هي الرابعة الذي تمت دبلجة المسلسل به بعد العربية والإسبانية والروسية لكن العلاقة أعمق ولها تداعيات جيوسياسية. فباكستان وتركيا طالما نظرت لبعضهما البعض نظرة احترام باعتبارهما بلدين تربط بينهما الأخوة.

 

وكانت تركيا أول بلد يعترف بباكستان بعد استقلالها عام 1947 ودعمت انضمامها للأمم المتحدة. وحتى قبل استقلال باكستان تضامن مسلمو الهند البريطانية في حركة الخلافة (1919- 1922) لدعم الخلافة العثمانية المتداعية. وكانت الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ورغم انهيار الحركة بعد خلع مصطفى كمال أتاتورك محمد السادس، آخر سلطان عثماني، إلا أن مسلمي الهند أرسلوا المساعدات للإمبراطورية في مراحلها الأخيرة.

 

وفي الوقت الذي تواجه فيه آسيا التوتر الطائفي، التطرف الديني والتحولات الجيوسياسية- من التنافس السعودي مع إيران إلى الهند بقيادة ناريندرا مودي وحكم الأغلبية الذي يتخلى عن العلمانية باتجاه القومية الهندوسية إلى جانب منظور المواجهة مع الصين، توثقت العلاقات بين باكستان وتركيا، وعرفت نفسها من خلال النموذج الإسلامي المعتدل بدلا من التفسير الوهابي السعودي. ورغم تركيز التعاون على المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية إلا أن البلدين يعملان على توثيق العلاقات الثقافية.

 

ولم تكن شعبية أرطغرل في البداية على قدر شعبية مسلسل القرن العظيم ولا الحب الممنوع الذي شاهده 55 مليون شخص، أي ربع سكان البلد. وكانت هذه هي المرة الأولى يحظى فيها مسلسل أجنبي بهذا القدر من المشاهدة. وعلى خلاف المسلسلات الأخرى فأرطغرل حظي بمتابعة كبيرة للأسباب نفسها- إنتاج ضخم وفيه رسالة محافظة تجتذب العائلة، لكن رسالة أرطغرل غازي كما يعرف بالباكستان نابعة من أنه تعبير عن وضع البلد المشحون في هذا الوقت.

 

وبحسب شهريار ميرزا، المدير التنفيذي لـ(تي أر تي وورلد) في الباكستان: “لدى الغرب تأثير ثقافي كبير على باكستان أكثر أي طرف آخر” وتجد نفسها كساحة معركة بين تركيا وإيران والسعودية: “باكستان ومنذ ولادتها تقف على خطوط الصدع وتترنح في كافة الاتجاهات”.

 

وبدأت شبكة “بي تي في” بعرض أرطغرل هذا العام في شهر رمضان وبعد طلب من رئيس الوزراء عمران خان الذي طالما اشتكى من ثقافة الدرجة الثالثة التي تؤثر على الباكستانيين سواء من هوليوود أو بوليوود. ومنحت “تي أر تي” رخصة عرضه في  باكستان مجانا، وهو قرار ترك ثماره.

 

وتبلغ نسبة الباكستانيين الذين يشاهدونه على يوتيوب 25% من مجمل المشاهدين له. وفي أيار كانت شبكة “تي أر تي” عبر “بي في تي” في المرتبة 33 من القنوات المشاهدة على يوتيوب. ووعد بوزداق باتفاقية كبيرة مشيرا: “إذا كانت الحدود بعيدة فالقلوب واحدة”.

 

وأضاف: “لم أكتب هذا من أجل من يكرهون الإسلام في هوليوود وبوليوود أو أي شخص”، مضيفا: “علينا شرح فن الإسلام والعالم الإسلامي لأن هذا الفن سامي، من تاج محل إلى الحمراء، وعلينا أن نخبر العالم عن صوت الإسلام الجميل”. وتقول بوتو إن أردوغان الصاخب قد يكون مصدر انقسام في بلاده لكنه في الخارج، أحببنا أم لم نحب، فهو يمتلك جاذبية افتقدها العالم الإسلامي منذ عقود. وهو يعمل على إعادة دور تركيا التاريخي كزعيمة للعالم السني ويحل محل السعودية. فبعد خلع السلطان محمد السادس سيطر آل سعود على الحرمين الشريفين. وعندما أعلنت الإمارات عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل الشهر الماضي ألمح لقطع العلاقات معها واستدعى سفير أبو ظبي. وفي البرلمان الباكستاني هدد العام الماضي قائلا: “لا فرق بين غاليبولي وكشمير”، في إشارة للمعركة الحاسمة في الحرب العالمية الأولى. والمواجهة التركية – السعودية تظهر على أكثر من جبهة، وتجد باكستان في وسطها.

 

ورغم العلاقات القوية بين تركيا وباكستان، كان عمران خان أول من استقبل محمد بن سلمان بعد قتل وتقطيع جثة جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، وهي جريمة أسهم أردوغان بالكشف عنها رغم إنكار السعودية. بل واستقبل خان محمد بن سلمان بعربة مذهبة. وعندما اقترحت باكستان في الذكرى الأولى لتغيير وضعية كشمير أنها ستطلب مساعدة من الدول الإسلامية الأخرى إن لم تتخذ السعودية الدور القيادي، كان رد الرياض طلب رد مليار دولار كدين ووقف المساعدات الاقتصادية خاصة النفط المباع بأسعار مخفضة، وهو ما كشف عن اعتماد باكستان على السعودية.

 

وهناك شائعات حول طلب السعوديين وقف عرض قيامة أرطغرل، خاصة أنها وفي إنتاج مشترك مع الإمارات العربية المتحدة أنفقتا 40 مليون دولار لإنتاج سلسلة “ممالك النار” التي استأجرت لإخراجها البريطاني بيتر ويبر. وحاولتا تقديم صورة مضادة للعثمانية الجديدة. لكنها فشلت ولا أحد يتابعها على ما يظهر.

 

وترغب باكستان بقيادة العالم الإسلامي لكنها تعاني من ضعف حكوماتها والفساد والإرهاب بالإضافة لمؤسسة الجيش التي تسيطر على البلاد أيا كان رئيس الوزراء. وفي الوقت الذي تعتمد فيه على قروض صندوق النقد الدولي والمساعدات الأمريكية فهي تبحث عن مصادر إلهام في تركيا وماليزيا.

 

ووصف خان كلا من أردوغان ومهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، بأنهما “مثالان” وأبطال شخصيون. ورغم كل هذا فلم يكن خان قادرا على تحويل القول إلى عمل. ففي عام 2019 قال إن بلاده مع ماليزيا وتركيا ستنشئ قناة تلفزيونية لمواجهة التحيزات ضد الإسلام. ولكنه قرر وبشكل مفاجئ عدم حضور قمة في ماليزيا متعللا أن “بعض أصدقائنا اعتقدوا أن القمة ستقسم الأمة” بدون ذكر السعودية. لكن أردوغان كان أكثر وضوحا عندما قال إن خان تعرض لضغوط سعودية.

 

ولا تزال باكستان بعد 73 عاما على استقلالها غير متأكدة من هويتها وما هو حداثي وإسلامي. صحيح أن أرطغرل هو رقم 1 على نتفليكس باكستان حتى نهاية تموز/ يوليو لكن هناك مسلسلات أخرى مشاهدة مثل “شهوات قاتمة” و”صندوق القبل” والمسلسل البولندي “الفاضح 365 يوما”.

 

ومشكلة الهوية تبدو أكثر وضوحا بين النخبة، لكن الطبقة المتوسطة وهي قاعدة خان فهي واضحة: مسلمة وفخورة بهويتها وعبر عنها أرطغرل. فهو مسلسل قام على القيم المحافظة والحب فيه طاهر وعبر الزواج. وفي حلقاته كان أرطغرل يصلي، وحتى وهو يقارع المغول ويحيط به الخونة كانت أمه تذكره بعد وفاة حليمة أن عليه الزواج.

 

وتشير بوتو إلى أن الباكستانيين رغم غرامهم بالمسلسل لكنهم لا يعون رسالة مهمة فيه وهي التشاركية واحترام بقية الأديان. فأرطغرل ليس سمحا مع المسلمين فقط ولكن بقية الأديان الأخرى أيضا. ففي الوقت الذي منعت فيه ولاية البنجاب 100 كتاب منها كتب مدرسية وأصدرت قانونا حول كيفية تصوير والتعامل مع النبي تقوم تركيا بإعادة تشكيل الإسلام على صورتها.

 

 

المصدر: القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى