ملفات ساخنة

هل أصبحت منطقة الساحل والصحراء مستنقع لفرنسا؟

نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده ماثيو كامبل قال فيه إن منظقة الساحل الإفريقية تحولت إلى مستنقع فرنسي تماما كما تحولت أفغانستان مستنقعا لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقال فيه إن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لن ينسى مشيته المنتصرة في شوارع مدينة تمبكتو. وقدم له سكانها جملا أبيض نادرا لنشره القوات الفرنسية لإنهاء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية للمدينة الشهيرة في مالي. وقرر الرئيس منح الجمل لعائلة محلية لكي تعتني به وترعاه، وبعد مغادرته، ذبح السكان الجمل وطبخوا عليه الطاجين، كما ذكرت عدة روايات.

 

ولكن انتصار هولاند لم يكن أفضل من حظ الجمل الأبيض، فبعد سبعة أعوام لا تزال القوات الفرنسية هناك وعاد الجهاديون وبقوة. ويقول خبراء إن منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي تضم مالي وعددا آخر من المستعمرات الفرنسية السابقة أصبحت “مستنقعا” لآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بقيادة فرنسا. وتقول فلور بيرغر من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: “واجهت أمريكا وبريطانيا أفغانستان ولكن فرنسا لديها الساحل”.

 

وتضيف الصحيفة أن فرنسا كان لديها رأي رومانسي حول الصحراء المقفرة من مقاومة استمرت قرنا وأدت إلى أدبيات تتحدث عن الكثبان الرملية المتلألئة إلى المقاتلين الطوارق الأشداء على جمالهم إلى الفيلق الأجنبي. ولكن الواقع مختلف عن هذه الرؤية الرومانسية، فالمنطقة هي طريق لتهريب المخدرات إلى أوروبا وتحولت إلى ساحة حرب واسعة تنشر فيها الجماعات المسلحة الإرهاب وقتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال وحرقهم أحياء بل وجر الناس من الحافلات وقتلهم.

وتم قتل رجل مشلول في مالي حيث تم تفخيخ جثته بالمتفجرات التي قتلت 17 من المشاركين في جنازته. وفي بوركينا فاسو القريبة من مالي وضع الجهاديون المتفجرات في جثة ميت يرتدي الزي العسكري وقتل نتيجة للانفجار ضابطا شرطة وطبيب عسكري. وسجل في العام الماضي 5.000 قتيل فيما وصل العدد هذا العام 3.900 قتيل وهجر آلاف من منازلهم وقراهم بسبب المذابح التي ترتكب. وتقول الصحيفة إن الفوضى التي تشهدها منطقة الساحل لها جذورها بالاضطرابات التي أعقبت الإطاحة وقتل الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011. وفر عدد من أتباعه إلى دول الساحل. وقاد هذا إلى ثورة بقيادة الطوارق والتي استغلها الجهاديون في شمال مالي. وقام هؤلاء بتدمير المزارات الصوفية في مدينة تبمكتو التي تعتبر من التراث العالمي بالإضافة لحرق المخطوطات الإسلامية. وأوقفت القوات الفرنسية زحف الجهاديين باتجاه العاصمة باماكو في الجنوب حيث تشتتت قواتهم في الصحراء. ولكنهم استعادوا تنظيمهم وجمعوا أنفسهم في عام 2017، حيث شكلت جماعة أنصار الشريعة حلفا مع تنظيم الدولة الإسلامية. وتتداخل هذه الجماعات الجهادية مع عصابات الجريمة التي تتجول في الصحراء على الشاحنات والدراجات النارية في منطقة تعادل مساحتها الهند ومن الصعب السيطرة عليها. ونشرت فرنسا 5.100 جندي بمن فيهم الجيل الجديد من الفيلق الأجنبي من أنجامينا، عاصمة تشاد. وهناك 15.000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حيث ستقوم بريطانيا بنشر 250 جنديا هناك إلى جانب 1.100 جندي أمريكي في النيجر. إلا أن جيوش خمس مستعمرات فرنسية سابقة تبدو غير قادرة على مواجهة الجهاديين. ففي هجومين على مالي وبوركينا فاسو قتل الجهاديون العام الماضي مئات من الجنود ونهبوا ترسانات أسلحة. وقالت إيفون غيشاوا من مدرسة بروكسل للدراسات الدولية: “شعر الفرنسيون بالرعب من عدم وجود مقاومة بل وهرب الجنود”. وبدلا من قتال الجهاديين تقوم الجيوش في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بقتل المدنيين الأبرياء لاشتباهها بهم. واستغلت مليشيا مسلحة دعمتها فرنسا مثل المتوكلون على الله وحراس الغابة الحرب لتصفية حسابات إثنية قديمة. وفي العام الماضي ذبح 160 شخصا في قرية أوغوساغو والتي تعرضت للهجوم هذه المرة حيث قتل 35 شخصا. وتقول كورنين دوفكا، مديرة هيومان رايتس ووتش في غرب إفريقيا: “لا تخشى الميليشيات المسلحة العقاب عما ترتكبه” و”كانت المذبحة في أوغوساغو رهيبة لأن الجيش المالي وقوات حفظ السلام كان بإمكانها وقفها”. وبسبب الغضب ضد المذابح فقد اضطرت فرنسا للتخلي عن إستراتيجيتها العسكرية. وحققت باريس نجاحا حيث استطاعت القوات الفرنسية الخاصة قتل عبد المالك الدروكالي، زعيم الجهاديين والذي تمت ملاحقته بمساعدة من الأمريكيين في النيجر. ولم يكن أحد يعرف بالوجود الأمريكي هناك إلا بعد مقتل أربعة من جنود العمليات الخاصة في عام 2017.

ويزداد القلق في فرنسا من المأزق في منطقة الساحل. وعندما مات 13 جنديا في تحطم مروحيتهم في مالي، حذر برونو كيليتس بولي، المنسق العسكري السابق لوزارة الخارجية، من أنه لم يعد بالإمكان تجنب الحديث عن قوة الجهاديين. ومضى قائلا: “هل أصبحت لديهم المبادرة؟ ويبدو أنه لم يعد لدينا فكرة حول كيفية الخروج من المستنقع”.

زر الذهاب إلى الأعلى