ليبيامقال رئيس التحرير

الجنسية العربية وأثارها علي ليبيا

الشعب الليبي جزء من الشعوب العربية والإسلامية أصبح كمثله من الشعوب، وعلى عقود من الزمن كغيره يفقد النسيج الاجتماعي ويفقد كل القيم والعادات والعرف والروابط الأسرية والمجتمعية المتعارف عليها مُند فترة ليست بالقصيرة، تلك القيم النابعة من روح المدرسة الإسلامية والرسالة النبوية والخلف الصالح، وما صاحبها من تعاقب المكان والزمان والمراحل والمتغيرات المتسارعة من حقبات العمر.

 

هذه المراحل والمعطيات المتأصلة بحسب سرعة تطور الفكر الإنساني، كانت من أهم العوامل والأسباب المسببة والمؤثرة علي الأحداث والوقائع والمتغيرات المتعاقبة وستظل من ضمن الشواهد علي التاريخ بفقدان الشعب الليبي الأصيل لتفكك كل هذه القيم وتمزق النسيج الاجتماعي، وبالطبع تعتبر بالمؤثر الرئيسي في التأثير علي كافة المناحي الاجتماعية.

 

فالأجداد السابقة واللاحقة رغم تماسكها وترابطها بقيم الخلف الصالح إلا إن الأحفاد والأجيال المتعاقبة لم تتغذى من منبع تلك الروح والقيم الدينية والاجتماعية والإنسانية فضاعت وضيعت كل مفاهيم هذه القيم.

 

ولنا في هذا العصر الكثير من الأمثال ففي نهاية الثمانينيات إلي يوم سقوط النظام الليبي، مُنحت للعديد من الأجانب ما يسمي بالجنسية العربية، وفقاً لقانون رقم 18 لسنة 1980 بشأن أحكام منح الجنسية، والذي نص على أن “الجنسية العربية هي حق لكل عربي يدخل الأراضي الليبية ويرغب في الحصول على هذه الجنسية”، ويعامل حامل الجنسية العربية معاملة المواطن الليبي.

 

ومن هذا المنطلق وبهذا المنح السياسي والغير مسبوق من قبل النظام السابق، أمم وأجناس تم إدخالها للوطن وللأمة الليبية، وانتشرت في ربوع وجميع المدن والمناطق الليبية، وكانت المنطقة الجنوبية والوسطى النصيب الأسد من حصتها، وبالتالي هي الأكثر تضرراً من هذا المنح السياسي للجنسية العربية.

 

وأيضاً مناطق الشمال الغربي والشرقي، فالوافدون العرب من سوريا ومصر والعراق والأردن والموريتاني والتونسي والسوداني جميعاً دخلوا الأراضي الليبية ومنحوا الجنسية العربية، وبالتالي كانوا جميعاً سبباً من أهم الأسباب، وعاملاً من معاول الهدم في تفكك النسيج الاجتماعي الليبي وفتح الطريق أمام تدهور القيم الأخلاقية في ليبيا، وليس هذا فقط بل في أواسط التسعينيات، وبعد يأس النظام السابق من تحقيق مشروع الوحدة العربية، وتوجهه إلى أفريقيا التي أعلن عن فتح أبواب ليبيا لاستقبال الوافدين الأفارقة، وبدون إصدار أي قانون، قام بمنح الجنسية الليبية لعدد غير معروف من الأفارقة، لأسباب ووفق شروط لم يعلن عنها، شهدت عليها سجلات مصلحة الأحوال المدنية التي تحوي عدداً كبيراً من هذه الحالات.

 

وبسبب تسارع الأحداث والوقائع والمشاهد بعد سقوط النظام السابق، بسبب ما يسمي بالانتفاضة الشعبية، كانت هذه الشرائح التي مُنحت الجنسيات الليبية والعربية هم من يغذون الحرب من الطرفين المتصارعة.

 

ونضرب مثال علي ذلك الجنوب الليبي حيث تم إدخال العديد من العائدون من القبائل الليبية ومنهم القذاذفة والورفلة وأولاد سليمان وآخرين إلي جانبهم وهم ينحدرون إلي أصول عربية ولكن ليسو ليبيين الأصل، مثل المحاميدة والحسنة الذين انتسبوا لقبيلة الحساونة بليبيا، وزد علي ذلك إدخال التشادية المتمثلون في قرى التبو في اوزو، ومن القرعان والكمجة والتبو والاكيدا وغيرهم كُثر، بالإضافة إلي طوارق مالي والنيجر، ومن مالي الشومر والذين يسمون أنفسهم أزوات، وأيضا من العرب أولاد وافي والمغاربة وغيرهم أتوا من جمهوريتي تشاد والنيجر، ومن جمهورية السودان مثل القذاذفة وأولاد سليمان والطوابين والجماعات.

 

لكل ما ذكر من هؤلاء العائدون علي سبيل المثال بعد سقوط وانهيار النظام المانح لهم الجنسية، وبعد ما تفشت وعمت الفوضى وانفلات الأمن هم أول من قاموا بابتزاز ليبيا والليبيين، ونهب خيراتها والاصطفاف لخرابها وتقسيمها واقتطاع أراضيها، كما يفعل تبو تشاد وطوارق مالي وسا يحدو الامازيغ مثلهم بكل أسف في ذلك.

 

وآما من حيث المنطقة الغربية، فالعائدون من جمهوريتي تونس والجزائر هم كثر.

 

وأما من حيث المنطقة الشرقية، فالصاد شين سكان الشمال الصحراوي ليس هم بغريب عن غيرهم، وسرداً لما ذكر قوله سلفاً، لقد تفتت وتشتت اللحمة الليبية بين نسيجها الاجتماعي والسياسي، وصار هؤلاء المانحين للجنسية العربية والعائدون والوافدون، هم من تتسلط اليوم علي الناس وتتصدر المشهد لما يحدث في ليبيا في ضل غياب الأمن والاستقرار، وبالتالي أصبحت تشكل الخطر المخيف علي سكان ليبيا الأصليين، من حيث السلوك والتصرف من الاتحاد والتأزر.

 

وخوفاً لما سيحدث لهم عند عودة دولة القانون والمؤسسات ويستتب فيها الأمن وينفذ القانون، فلا مكان ولا وجود لهم علي الأراضي الليبية مع إعادة النظر ومراجعة القوانيين وتطبيق ونفاد القانون، فيما يخص مناحي الجنسية العربية، لهؤلاء العصابات وهم يعيشون عبثاً على العشوائية والتهريب والتخريب والمخدرات وتجارة الحروب، بعد اكتشاف شبكات منظمة لتزوير الجنسية العربية للوافدين وجوازات السفر والأرقام الوطنية لهم بالسجل المدني، وسيبقي أكبر دليل علي حجم الكارثة ومدي التلاعب بالوثائق الرسمية، في ظل فوضى إدارية وأمنية تعم البلاد وما صحبها من قام بتقديم الرشاوي لموظفي السجل المدني، ومن قام بخطف وتهديد ووقائع لعدة حالات تزوير من قبل الخبرة القضائية بضبط المتهمين، ووجود مبرزات مادية واضحة من أوراق وأختام واعترافات للمتهمين وهي مرعبه ومخيفة، ومحاصر لجمع استدلالات عديدة تروي عن جوازات سفر ووثائق جنسية جرى منحها لوافدين كثر ممن توفرت فيهم شروط الولاء والانتماء لـ ” فكر النظام السابق”، وإسقاطها عن عدد كبير من ذوي الأصول الليبية الذين لم تتوفر فيهم تلك الشروط، وضل الحال كما هو عليه استمرار التلاعب والتزوير في منح الجنسيات حتى بعد سقوط النظام  وتكون الصدمة المرعبة بالنسبة للشارع الليبي، وتفيق من خلالها وزارة الداخلية في حكومة زيدان وأصدرت في أول من ديسمبر 2012  قراراً بإيقاف منح الجنسية العربية وذلك إلى حين يتم تنظيم الأمر ووضع الضوابط والشروط القانونية من قبل السلطة التشريعية، ونص القرار على أن يتم إلغاء الجنسيات التي أصدرت بالمخالفة للقانون في عهد النظام السابق.

 

والي حين بناء دولة القانون ومؤسسات الدولة، وفتح شامل بالتحقيقات في كل هذه الملفات الخاصة بالتزويرفي السجلات المدنية، وهي قضية خطيرة تتعلق بالهوية الليبية والتي كان لها الأثر السلبي في كل الجوانب والمناحي الاجتماعية، وما صاحبها من تغدية تجار الحروب الرائجة حالياً بعد تفشي الفوضى وانفلات الأمن، وما يحدث وحدث في ليبيا، وأخيراً ياليت قومي يعلمون.

 

المهدي احميد

 

المقال المكتوب يعبر عن وجهة نظر كاتبة، وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر جريدة العربي الأصيل.

زر الذهاب إلى الأعلى