أخبار عالميةالأخبار

معالجة المعممين الشيعة الفاشلة لفيروس كورونا أفقدتهم ثقة الإيرانيين

قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لمراسلتها إرين كانينغهام إن المرجعيات الدينية فشلوا في ردهم على فيروس كورونا مما أثار شكوكا حول قدرتهم على الحكم.

 

وأشارت في البداية إلى كاريكاتير ساخر وضع على وكالة العمل للأنباء الإيرانية عبر قناة تلغرام، ولو لفترة وجيزة، أظهر معالجين تقليديين أحدهما معمم وهما يحضران لمعالجة مصاب بفيروس كورونا وبيد كل واحد منهما كوب مليء ببول النياق وآخر بزيت أوراق البنفسج، اللذين يعتبرهما البعض علاجين مؤكدين لكوفيد-19. وعلى الخلفية للصورة آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، يرتدي قبعة الممرض وإصبعه على شفتيه مطالبا النقاد بالسكوت. وتعلق على أن ظهور الإعلان ولو لفترة قصيرة يعطي فكرة عن نقد نادر للطبقة الدينية الحاكمة والدور الذي لعبته خلال أزمة فيروس كورونا.

 

فمنذ ظهور الفيروس في مدينة قم، قاومت المرجعيات الدينية دعوات الحجر الصحي وإغلاق المزارات الدينية واعتبروا الحديث عن الفيروس مجرد مؤامرة أمريكية ودعوا بدلا من ذلك لاستخدام العقارات التقليدية أو الطب الإسلامي كدواء لكل داء مثل كوفيد-19 الذي ينتج عن فيروس كورونا. وأدت أفعالهم لغضب المؤسسة الصحية الرسمية وزادت من شكوك الرأي العام حول قدرتهم على الحكم.

 

وتضيف أن رجال الدين في إيران يشاركون في كل مظاهر الحياة السياسية بالدولة إلا أن دورهم الفاشل أضعف من موقفهم في وقت يعاني تأثيرهم من ضغوط سياسية كما يقول المحللون. ومع تخبط القيادة الدينية أمام فيروس كورونا وزيادة حالات الإصابة إلى 118.000 حالة والوفيات التي وصلت الآن إلى 7.000 حالة، قامت المؤسسة الأمنية القوية بالتدخل وبدأت عمليات رقابة صحية وشاركت بتطهير الأماكن العامة بل والإشراف على دفن الوفيات من الفيروس وهو دور تولته السلطات الدينية ورجال الدين الشيعة.

 

ويقول محللون في داخل البلد إن الوباء أدى إلى تراجع أهمية القيادة الدينية ومنح القوات المسلحة فرصة لتقوية سلطتها. وتعلق أن هذه الدينامية ستترك أثرها على مستقبل إيران السياسي، في وقت تزداد المعركة على خلافة المرشد الحالي سخونة وسط تعب أبناء الطبقة المتوسطة من الحكومة الدينية.

 

ويقول مهدي خلجي، الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: “مقاومة رجال الدين الواضحة لمحاولة الدولة السيطرة على الفيروس قد تكون نقطة اللاعودة في ثقة الرأي العام بهم والشك في قدرتهم كسلطة عقلانية في المجالين السياسي والاجتماعي”. وقال خلجي الذي درس في المدارس الدينية بقم إن “الفشل الذريع” للمؤسسة الدينية على الوباء “سيجعل اللاعبين في السلطة غير مهتمين بالبحث عن دعم سياسي في مرحلة ما بعد خامنئي”.

 

وقال محمد، 70 عاما: “أقول لك إنهم (رجال الدين) فقدوا المصداقية”. وقال: “كان بإمكانهم تحسين صورتهم من خلال تقديم الدعم العاطفي” للضحايا، “لكنهم دمروها أكثر من خلال التدخل في أمور لا يعرفون عنها مثل الدواء”. ورغم ما يحمله الكاريكاتير من معان ضربت على وتر حساس للحكومة الدينية إلا أن الفنان رضا أغيلي الذي يعيش في تركيا يظل بعيدا عن يد السلطات، مع أن مدير وكالة العمال الإيرانية للأنباء ومدير قناتها على تليغرام اعتقلا الشهر الماضي بتهمة الإساءة “لمبادئ الدين الإسلامي” والقادة الدينيين، وذلك حسب منظمة مراسلون بلا حدود في باريس.

 

وقال أغيلي: “هذا هو رأيي” و”ليست شعبية رجال الدين بل والإسلام في أدنى درجاتها”. وتشير الصحيفة إلى أن القيادة الدينية التي ساعدت على الإطاحة بالشاه عام 1979 وساعدوا على بناء حكومة دينية يعانون الآن من مشكلة مصداقية بعد سنوات من المشاركة في الحياة السياسية وإدارة الشؤون اليومية.

 

ويقول بعض المحللين إن سلطة رجال الدين كانت في خفوت بسبب صعود قوة الحرس الثوري التي تعد مؤسسة عسكرية واقتصادية كبيرة ويمتد تأثيرها من السياسة إلى الإعلام وبرنامج الفضاء الإيراني الناشئ. وأنشئت القوة في السنوات التي تبعت الثورة لحماية الجمهورية الإسلامية من التهديدات الداخلية. ويؤثر قادة الحرس على القرارات الحاسمة التي يتخذها مجلس الأمن القومي أكثر من القيادة الدينية أو المدنية كما يقول علي الفونة مؤلف كتاب “كشف قناع إيران: كيف يحول الحرس الثوري إيران من دولة دينية إلى ديكتاتورية عسكرية”، وأضاف: “عاجلا أم آجلا سيتم شجب القيادة العليا الدينية ومؤسسي الجمهورية كخونة ورجال ثورة مضادة وعملاء أجانب ويقودهم الحرس الثوري إلى السجن”.

 

ويقول أمير، طالب فلسفة سابق في قم، إن الإجراءات التي قام بها الجيش أعطته دعما شعبيا: “أعتقد أن الحرس الثوري حصل على ثقة الناس فيما خسرها رجال الدين”. وأضاف أن “الجيل القديم غاضب من رجال الدين وسيلعنهم” أما “الشباب فسيسخرون منهم”.

 

وقالت مشاهد، 33 عاما، الباحثة في مجال السوق بطهران: “أعتقد أن رجال الدين لم يعد لهم شأن في المجتمع الإيراني اليوم”. بل وتدخل الحرس الثوري في الشؤون الدينية، فمن خلال الرد على وباء كورونا قام أفراد الحرس الثوري بتوزيع مجموعة من الأدعية التي نصح بها آية الله خامنئي.

 

وقال محسن كاديفار، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ديوك: “قدموا جهدا حقيقيا لمحاربة الفيروس”، وأضاف: “لكن الناس يعرفون أن هذا مجرد استعراض. ومن الناحية العامة فقد خسر الجناح الديني والعسكري المصداقية، كما أعتقد”.

 

وضرب الفيروس المؤسسة الدينية فقد أعلن عن وفاة السفير الإيراني السابق لدى الفاتيكان، ممثل خامنئي في لانغرود في شمال إيران، وكذا عضو في مجلس الخبراء الذي يختار خليفة المرشد. وتوفي عضو مجلس الخبراء هاشم بهتاي غولباينغي بعد إعلانه الشفاء منه بعدما أكل ترابا من قبر الإمام الحسين في كربلاء. وفي الوقت الذي تواصل فيه إيران مواجهة الفيروس أعلن مدير المنظمة الإسلامية للتنمية، وهي مؤسسة دينية وثقافية مرتبطة بالمرشد، عن إعادة فتح المساجد هذا الشهر. ولم يوافق كل رجال الدين على الطرق التقليدية وفتح المساجد بل ودعا البعض إلى إغلاق جزئي للمساجد وفرض النظافة الإجبارية فيها.

 

وقال أمير أفخمي، أستاذ الصحة العالمية بجامعة جورج واشنطن: “عندما يتعلق الأمر بالدواء والصحة العامة هناك تنوع في الآراء بين المؤسسة الدينية الشيعية”. وأضاف أن عدم استعداد المؤسسة الدينية بداية انتشار الفيروس لفرض قيود على الحج والتجمعات في المزارات الشيعية الرئيسية زاد من سوء الأزمة. إلا أن معظم رجال الدين لهم عقلية منفتحة تجاه الدواء.

 

وكشفت الأزمة عن الخلاف داخل المؤسسة الدينية بين من يريدون دورا في السياسة ومن يرون أهمية الحفاظ على الدور التقليدي. ويعتبر آية الله يوسف سنائي، العضو السابق في مجلس تشخيص مصلحة النظام، من الذين يعارضون تدخل رجال الدين في الحكم. وفي مقابلة عبر تلغرام قال سنائي المقيم في قم إن من حاولوا البحث عن أدوية ورفضوا التعليمات الصحية هم جزء من “مجموعة عاجزة تريد التمسك بالشريعة”.

 

وقال إن “المتعلمين والمتنورين من رجال الدين لم يقفوا أبدا ضد النظافة والتعليمات الصحية ولن يفعلوا”. وعلق أن “إدارة شؤون المجتمع ليست مسؤولية رجال الدين ولكنهم لو قاموا بممارسة واجباتهم الدينية للدفاع عن الإسلام ومواجهة الظلم فقد يستعيدوا ثقة الناس بهم”.

زر الذهاب إلى الأعلى