ملفات ساخنة

نهاية العائلة المالكة بالسعودية على يد محمد بن سلمان

من يتأمل جيداً الواقع الفعلي للنظام السعودي؛ يصل إلى نتيجة مفادها أنه قد شاخ وهرم وآل إلى السقوط. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها الفساد المستشري

 

الذي نخر النظام عبر عقود عدة، وما اتسم به من قمع واستبداد واستئثار من العائلة المالكة بخيرات البلاد، وإلقاء بعض الفُتات إلى الشعب. هذا عِلاوةً على سيطرة الأمراء على المناصب السيادية في الدولة، رغم كبر سن بعضهم ونقص كفاءة البعض الآخر.

ونتيجة لذلك؛ تم استبعاد المواطنين الاكفاء، وسُدت الأبواب أمام الترشح والانتخاب، كما أنه يصعب التنبؤ بما يدور داخل أروقة العائلة المالكة، أو التحليل العقلاني للسياسة التي تنتهجها. إن ما يظهر للعيان من هذه العائلة هو أقل بكثير -في اعتقادي- مما تخفيه؛ وتلك هي السرية التي عُرفت بها العائلة المالكة، ويبدو أن ليس هناك ما يدعوها إلى التخلي عنها في هذه الأوقات.

ورغم ما تبذله العائلة المالكة من جهود كبيرة للحفاظ على نظامها واستمراريته؛ فإن الواقع الفعلي الآن يَظهر عليه الترنح الشديد، خاصة حين وصل الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، بعد إزاحته ابنَ عمه الأمير محمد بن نايف، وإحكامه قبضته على مفاصل الدولة، وتهميشه للعديد من الأمراء، مع تمكين من ضمِن ولاءه له. وبذلك نصّب بن سلمان مسؤولين أقل خبرة ودراية ممن سبقوهم.

ومع أنه حينما استلم زمام الدولة وعد بالإصلاح ومحاربة الفساد وحل مشاكل المواطنين؛ إلا أن ما حصل على أرض الواقع كان نقيض ذلك. فالفساد ازداد، وصاحب ذلك تدهور كبير في حقوق الإنسان، فارتفعت وتيرة القمع والاستبداد، والحرمان من حرية الرأي، وتكميم الافواه، والاعتقال التعسفي الذي طال جميع فئات المجتمع. أضف إلى ذلك المحاكمات غير العادلة، والقتل خارج نطاق القضاء، والقتل بطريقة غير مباشرة عبر الإهمال الصحي للمعتقلين، والتعذيب الشديد الذي يقع عليهم، وانتهاك آدميتهم. كما أن في عهد بن سلمان فُرضت الضرائب، وقُلِّصت الرواتب، وزادت رسوم استهلاك الخدمات العامة، واختفت أموال طائلة من خزينة الدولة.

كان من نتائج هذا ازدياد أعداد المواطنين الذين غادروا البلد طلباً للجوء في دول عدة. وقد تضاعف عدد طالبي اللجوء من السعوديين في 2017 ثلاثة أضعاف عما كان عليه في 2012. وهناك من لجأ إلى شراء الجنسية الأجنبية ليهرب هو وعائلته وأمواله، بعد أن صادر بن سلمان أموال الأثرياء.

يُتوقع أن محمد بن سلمان هو من سيعجّل بنهاية حكم عائلته، وإسقاط عرشها الذي امتد لما يقرب من مئة عام، بسبب سياسته التي خالفت ما كان عليه أسلافه من قبل، على المستويين الداخلي والخارجي.

 

 

ومن أبرز مظاهر اختلافه عمن سبقوه أنه داخلياً تصرف بتهور شديد حين أعلن حربه على الوهابية، التي هي المرتكز الأساسي لشرعية آل سعود، ودعم ذلك بتهميش دور هيئة كبار العلماء وإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وباعتقال المشايخ الذين لم يجاروه في سياساته.

كما عرف عهد بن سلمان قمعاً للمثقفين غير مسبوق؛ فاعتقل العديد من الكتاب والصحفيين والاقتصاديين والعلماء ونشطاء حقوق الإنسان، وقد شمل ذلك الرجال والنساء دون تمييز، ناهيك عن الإخفاء القسري لبعض المعتقلين، والتحرش الجنسي الذي طال الناشطات اللائي وصل الأمر مع بعضهن إلى التهديد بالاغتصاب والقتل، على لسان سعود القحطاني مستشار بن سلمان.

تمكن بن سلمان من نشر الرعب بين أفراد الشعب عن طريق المراقبة والتجسس على وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت المتنفس الوحيد لهم، واستطاع بذلك التوصل إلى معرفة هويات بعض النشطاء الذين استخدموا أسماء وهمية، وإلقاء القبض عليهم وإيداعهم السجون، كما لا يمكننا في هذا المقام نسيان واقعة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي -رحمه الله- داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

اعترف النظام بواقعة قتل خاشقجي بعد فترة من الإنكار وتكذيب الروايات التي تحدثت عن قتله داخل القنصلية، وأصر على الادعاء بأن جمال خرج من القنصلية سالماً، وما خرج -رحمه الله- إلا جثة لا يُعرف أين هي إلى الآن.

أما على المستوى الخارجي؛ فقد خالف بن سلمان أسلافه بسياسات مختلفة، ولعل أبرزها الحرب على اليمن وما خلفته من مجازر ودمار وإزهاق أرواح، علاوة على الخسائر المادية للقوات السعودية التي أرهقت خزينة الدولة كثيرا.

وكذلك التدخل المستمر في شؤون الدول الأخرى، كما يحصل في مصر عبر دعم نظام الانقلاب العسكري، والوقوف خلف حفتر في ليبيا للسيطرة على الثوار. أما قصة بن سلمان مع إسرائيل، وهرولته نحو التطبيع معها؛ فقد أضرت كثيراً بسمعة هذا الأمير المتهور.

 

تشير هذه المعطيات إلى سياسات غير مسبوقة مرتبطة بالعائلة الحاكمة. لقد أصبحت السلطة في يد شخص واحد تغلب عليه الرغبة القوية في الوصول إلى العرش مهما كانت الظروف والتضحيات، ويعتمد على ولي عهد دولة أخرى هو محمد بن زايد.

أمراء سعوديون كُثر زاد إحباطهم من قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ففي أعقاب الهجوم الكبير على مصادر النفط في المملكة بمدينة بقيق السعودية في سبتمبر/أيلول 2019. فالهجوم على منشآت أرامكو أوقف نصف إنتاج المملكة من النفط وهو ما

 

 

يمثل 5% من إمدادات النفط العالمية، وأثار قلقاً كبيراً بشأن القدرة أكبر دولة مصدرة للنفط على الدفاع عن نفسها، رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة.

تخبطات ولي العهد محمد بن سلمان أدخلت البلد في أزمات كثيرة، في ظل النمو السكاني المتزايد والاقتصاد القائم على النفط، وعدم تحقيق ما صرح به من تنويع مصادر الدخل بحلول عام 2020. فها هو العام حلَّ ولم تظهر في الأفق أي بادرة لتحقيق هذا الهدف.

وبعد كل هذا؛ يمكن القول إنه إذا كان من انهيار وشيك للعائلة المالكة في السعودية، فإنه سيكون -على الأرجح- على يد صاحب رؤية 2030: ولي العهد محمد بن سلمان.

 

حصة الماضي – الجزيرة نت

زر الذهاب إلى الأعلى