ليبيامقال رئيس التحرير

شعب فاقد الأهلية

شعب لا يتعظّ من ماضيه ولا يتعلم و لا يأخذ من دروس التاريخ ولا يفهم ولا يستوعب من حاضر الشعوب , شعب فاقد اتجاه عقارب الساعة وضاعت منه البوصلة , أو دعوني أقول أنه معدوم الذاكرة وفاقد الأهلية شعب تستهوي عليه سلوك وتصرف التهريج ولا مبالا , نعم لم يبلعنا الحوت و لكن بلعنا التخلف والتناحر والعصبية الجاهلية , كنا مدن وقبائل واحده أيام ما يسمي بالثورة فصرنا مدن و قبائل لا لنتعارف بل لنتناحر ضد بعضنا, و يكون لكل مدينة شأنها وحالها فلها شروط ومطالب التي لا تتوافق مع غيرها, الكل يتأمر ضد الكل لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب. نحن الثوار والأزلام نحن المؤمنون والإسلاميون والعلمانيون ونحن الوطنيون والخونة ونحن ونحن , ليس كمثلنا احد , هكذا نحن حائرون تائهون إلى ابعد مدى , يكاد توهُاننا أن يفوق امتداد صحارينا اللامتناهية ,  رغم كل هذا وذاك وعددنا لا يتجاوز حوالي مليون ومائتي إلف أسرة , أي عدد سكاننا لا تتعدى حارة في بكين أو طوكيو أو ربما حي من أحياء القاهرة ,  لقد دوشنا العالم وحيرناه وصنعنا لأنفسنا حجما اكبر من حجمُنا , عاشت فينا وبيننا السلبية المقيتة , ولم نعي ونعمق مفهوم المواطنة , ومفهوم الدولة كما يزعم ثوار الاستعراض وشاشات التلفزيون , دعُونا نسمي الأشياء بمسمياتها ولا نختبئ وراء ستار المجاملات , أنهم  الأخوان وذراعهم العسكري المليشيات , في كل ساعة ويوم يزداد عبثهم وفسادهم وقمعهم وعنفهم حتي أصبح وضعاً لا يطاق, فمهما كان مأتاه ومهما كانت الجهة التي يوجّه ضدّها العنف محظوراً وفقاً للقانون في كلّ الحالات.

 

ما تمارسه المليشيات باسم الإخوان من عنف كان جوابه العنف ومن يرفض العنف يرفضه على نفسه وعلى غيره. فعيب على من ذاق العنف و تعرّض للتهديد أن يصطفّ مع من تمرّس في ممارسة العنف ومن ثم يخرج علينا يدّعي أنّه ضحية ومُورس عليه العنف. وعيباً علينا أن نشجّع أو نؤيد مثل هذه الممارسات بكافة أشكالها , وبالتالي لما العجب أن نستغرب من ردّة فعل شباب وعائلات غاضبة لهم شهداء وجرحى , عيباً أن تصول وتجول المليشيات المسلحة بفضل دمائهم , وتُنكر عليهم حدوث الثورة بأنهم هم وليس غيرهم بالثوار.

 

أعُيدها لسُت بطبعي مع الاعتداء والعنف ولكن لسُت مع ثوار ما يسمي بالمليشيات لتأليهها وشكرها , وتكريمها والرفع من مكانتها  من حكومة تدّعي الحداثة والمدنية , رغم أنها لم تقدّم لنا موقفاً مشرّفاً فيما يخصّ الأنصاف والمساواة والعدالة والحريات , هذا بالإضافة الى كونها من تدّعي أنها حكومة جاءت للوفاق.

 

هذا من جهة و من جهة أخرى وهنا أقصد الأمم المتحدة تحاول تقديمها حكومة للم الشمل والوئام والسلام , متناسيه ما عشناه ونعيشه منذ زمن الترويكا من عنف ومن دماء واغتيالات مرتكبة من قبل المليشيات , التي كرست وتكرس النهب والفساد.

 

الإخوان والمقاتلة ومن علي شاكلتها من المليشيات لا تستطيع أن  تفرض أيديولوجياتها بالعنف وبروابط حماية ما يسمي بالثورة , وبتزييف الحقائق والإحداث , و لا تحاول أن تفرض قيودها على الحقوق والحريات ولا تتماها في رقصات محمومة مع بقايا الدكتاتورية بأنواعها , هم بقايا لا يتجاوز بضعة آلاف فلم نترك الناس الأبرياء من مواطنينا والذين أعدادهم بعشرات الآلاف نازحون ولا جأون في بلادهم و في دول الجوار ولا نعمل على أعادتهم ومساعدتهم فهم ليبيون لهم من الحقوق مالنا , نعم للعدالة ومحاكمة الذين أجرموا في حق شعبنا بممارسة القتل و التعذيب و نهب المال العام.

 

لماذا ندعى التدين وتعلو صيحات التكبير مآذننا ونحن ابعد ما يكون عن الدين , لماذا لا نكون واقعيين ورحماء بيننا ونبدأ بفتح صفحة جديدة لبناء ليبيا معا بعيدا عن المزايدات وأساليب الإقصاء والتي ستؤدى بنا إلى طريق غير مأمول ، فمن يملك السلاح اليوم قد لا يملكه غداً ,  ليست هناك دولة تبنى بالأحقاد والثارات و روح الانتقام  ولكن تبنى بروح التسامح وبالمصالحة الوطنية , تصالحوا وتعلموا بأن الحرب ليس فيها رابح بل الحرب في الوطن خسارة , لماذا هذا التسابق على تشكيل المليشيات  بدلا من نصرة الجيش الوطني وهو يضم كل الليبيين و يكون الراعي والضامن لأمننا واستقرارنا , لماذا ننتظر الحلول من الأمم المتحدة والتدخل الدولي ليحل لنا مشاكلنا التي هي في حقيقة الأمر مصطنعة من قبل دول الغرب , مشاكلنا ليست عويصة  اذا ما خلصت النيات وكانت لنا الإرادة الحقيقية في بناء دولة ليبيا الحديثة دولة كل الليبيين.

 

المهدي احميد

زر الذهاب إلى الأعلى