مواضيع ثقافية وسياسية

دراسة علمية تكشف عن حمضهم النووي.. الزنا خلط أنساب الأوروبيين منذ خمسة قرون

خمسة قرون من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج أثرت على الحمض النووي لكثير من الأوروبيين. هذه خلاصة بحث علمي جديد.

 

فمنذ غابر الأزمان والأسرة مكونة من أب وأم متزوجين رسميا على يد سلطة دينية رسمية أو غير رسمية، وتوصم العلاقات الجنسية خارج هذا الإطار بالعار وتلصق صفة “الدعي أو ابن الزنا” بمن يولد خارجه، إلا أن الأب مع ذلك ليس بالضرورة هو الزوج، فهل أسلاف الأوروبيين هم بالفعل من نعتقد؟

 

لإلقاء الضوء على هذا الموضوع، استعرضت مجلة لنوفيل أوبسرفاتور الفرنسية دراسة أوروبية قامت ببحث حول “الضيوف غير المتوقعين” في أشجار عائلات أوروبية على مدى خمسة قرون من العلاقات خارج نطاق الزواج.

 

وفي مقال بالمجلة، قال جان بول فريتز إن “أبناء الزنا” كما هو متعارف هم في الغالب أطفال يولدون لأمهات غير متزوجات تنكّر لهم آباؤهم، أو هم ثمرة علاقة جنسية قامت على الإكراه، غير أن هذه ليست هي الحال دائما، إذ إن العديد من الآباء الشرعيين كانوا في الواقع آباء بالاسم فقط دون أن يعرفوا ذلك.

 

ولتحديد حجم هذه الظاهرة، اهتم فريق من العلماء، بقيادة مارتن لارموزو من جامعة لوفان ببلجيكا، اهتماما خاصا بما سموها “الأبوة خارج الزوجية”، وهو تعبير أكثر دقة لتعيين الولادات التي تنطوي على عامل خارج نطاق الزواج.

 

كروموسوم مشترك.. أم لا

 

وقام لارموزو وزملاؤه بدراسة الأنساب على نطاق واسع على مدى القرون الخمسة الماضية في أوروبا، وحددوا 513 “زوجا” من الرجال الذين يعيشون اليوم في بلجيكا أو هولندا، ولديهم نظريا سلف مشترك من الذكور.

 

وهذا “الجد الأكبر” مختلف بالنسبة لكل زوج من هذه الأزواج، ويرجع الأقدم منهم إلى عام 1315م، حسب الدراسة التي تشير إلى أن الاشتراك في سلف ذكر يعني وجود كروموسوم Y مشترك، إلا في حالة وجود علاقة خارج الزواج.

 

وبالتالي إذا كان رجلان من الزوج نفسه مرتبطان بشجرة عائلية “أبوية” وهما لا يحملان الكروموسوم Y المشترك نفسه، فهذا دليل على وجود أبوة خارج الزواج، كما أفاد الكاتب.

 

وقد تمكن فريق الدراسة بفضل بيانات الأنساب من نمذجة احتمالات هذا “الحدث خارج إطار الزواج” حسب سنة الميلاد والكثافة السكانية والوضع الاجتماعي.

 

وقال الكاتب إن نتائج هذه الدراسة أعطت نسبة من المواليد خارج الزواج، كما أتاحت أيضا تقييم نسبة المواليد عن طريق الزنا، خاصة أن معظم الأسلاف الذين درسوا كان مولدهم قبل تعميم أساليب منع الحمل الحديثة، وكثيرا ما أدت العلاقات خارج إطار الزواج إلى ولادة.

 

ويقول أحد الباحثين إن “دراستنا هذه تغطي قرونا عدة، شهدت تغييرات كبيرة في البيئة الاجتماعية والبشرية، بما في ذلك التوسع الحضري السريع الذي صاحب الثورة الصناعية في أوروبا الغربية في القرن التاسع عشر”.

 

التصنيع والاكتظاظ

 

وفندت الدراسة ارتباط العلاقات خارج الزواج بنزوات الأثرياء وضعف الأخلاق، ونفت ارتباطها ببلد معين أو دين، إذ طالت الدراسة كلا من الكاثوليك في بلجيكا والبروتستانت في هولندا، ولم تجد أي اختلافات تذكر فيما يتعلق بالإنجاب خارج الزواج.

 

وأشارت الدراسة إلى أن عدد المواليد خارج نطاق الزواج قليل بشكل عام، إذ لا يتجاوز غالبا 1.6% من أطفال كل جيل، وانتهت إلى أن معدلات الأبوة خارج الزواج في حدود 0.4% إلى 0.5% بين الأثرياء والمزارعين في معظم المناطق الريفية، لكنها ترتفع إلى 5.9% بين الفئات المحرومة في المدن الأكثر كثافة سكانية، وقد بلغت الدروة في أواخر القرن التاسع عشر، خلال الثورة الصناعية مع ازدحام العمال ذوي الأجور المنخفضة في المدن، حيث بلغت أحيانا 12%.

 

ويقول مارتن لارموزو إن “بحثنا يظهر أن فرص وجود حالة أبوة خارج الزواج في تاريخ عائلتك يعتمد حقا على الوضع الاجتماعي لأسلافك”، فإذا كانوا يعيشون في مدن وينتمون إلى أدنى الطبقات الاجتماعية، فمن المحتمل أن تكون الأبوة خارج الزواج في تاريخ عائلتك أعلى بكثير مما لو كانوا مزارعين.

 

ما دوافع العلاقة خارج الزواج؟

 

ولتفسير اللجوء إلى هذا النوع من العلاقات، يربط فريق البحث الموضوع بالنظريات التطورية، كما يشير إلى وجود بعض الفوائد، مثلا “بالنسبة للذكور، هذا يعني إنتاج المزيد من الأبناء دون الحاجة إلى دفع ثمن الاهتمام الأبوي”، كما قد تستفيد الإناث أيضا من الحصول على موارد إضافية.

 

وينبه الفريق إلى أن لهذه العلاقات عيوبا كزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، والعدوان من قبل الشريك “الرسمي”، وإنهاء الزواج أو تخفيض الاستثمار من قبل الذكور.

 

ورأى الفريق أن “عناصر البيئة الاجتماعية مثل الكثافة السكانية وتوافر الموارد يمكن أن تؤثر بشدة على الفرص المتاحة للأفراد لإقامة علاقات خارج إطار الزواج، ويمكن أن تعدل التكاليف والفوائد على حد سواء لمنع هذه العلاقات”.

 

وخلصت الدراسة إلى أن نسبة الأطفال المولودين لرجل غير الأب الرسمي لم يكونوا كثيرين كما قد يظن بشكل عام، عندما كانت وسائل منع الحمل غير منتشرة، إلا أن نسبة 1% مع ذلك تعني أعدادا كبيرة من البشر.

زر الذهاب إلى الأعلى