مواضيع ثقافية وسياسية

الساعات الشمسية بالمغرب.. هل يوقف الإهمال وعدم الصيانة عقاربها؟

على واجهة مقر الرابطة المحمدية للعلماء في ساحة باب لعلو بالرباط وقبالة مسجد الشهداء العريق، تنتصب ساعة مِزْوَلِية (شمسية) عقربها مصنوع من نحاس، ويمر الغادون والرائحون عليها دون أن يلقوا بالا لقيمتها التراثية وخصوصيتها الفلكية.

 

وتزين هذه الساعة البناية التي كانت سابقا مقرا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقبلها محكمة شرعية، ووضع تخطيطها العالم الفلكي والمؤقت المغربي محمد بن الحفيان الشرقاوي الرباطي الذي عاش في القرن 14 الهجري.

 

وتعمل الساعات الِمزْوَلية بامتداد وانقباض ظل الشمس، وتحدد التوقيت بتغير اتجاه ظل عقرب عمودي على وجهها واهتم المسلمون بها وحرصوا على وضعها في أسطح وصحون المساجد لضبط أوقات الصلوات من منتصف النهار، وسميت بالمِزْولة لدلالتها على وقت الزوال وتسمى أيضا الرخاميات لأنها تخط في الغالب على الرخام لمتانته.

 

وتقول المصادر التاريخية إن الصينيين أول من استعمل الظل لتعيين الأوقات، وبعدهم المصريون والكلدانيون واليونان والرومان وغيرهم من الأمم والبلدان.

 

إحصائيات

ترتفع المِزْوَلة الكائنة على جدار الرابطة المحمدية للعلماء بحوالي ثلاثة أمتار عن الأرض، ويبلغ مقياسها ما بين ستين وخمسين سنتيمترا، ويبدو أن عقربها سقط ثم أعيد من طرف شخص ليس من أهل الاختصاص فوضع في غير محله الصحيح مما جعلها مشوهة ومعطلة.

 

وتوجد مِزْوَلة ثانية بنادي الفلاحة بالرباط -منبسطة ومرفوعة عن الأرض بمقدار 90 سم- ومصنوعة من رخام، وقد كسرت جوانبها حسب ما أوضح للجزيرة نت المؤقت عبد العزيز خربوش، ومزولة ثالثة بمتحف الآثار والحضارات ويعود تاريخها إلى القرن 14 وهي مزولة أفقية منبسطة مكسورة من الجانبين وشاخصها مفقود.

 

وأحصى خربوش في كتابه المنشور حديثا “الساعات المِزْوَلية بعروض المملكة المغربية قيمتها التاريخية ودلالتها الفلكية” حوالي 117 مِزْوَلة تتوزع على 28 مدينة عاينها في المساجد والزوايا والساحات والمتاحف والتقط لها صورا تبرز وضعيتها الحالية، و12 مِزْوَلة مفقودة ناهيك عن تلك الموجودة بالقصور الملكية والتي لم يستطع الوصول إليها.

 

أقدم الساعات

ترتبط المَزَاول بالمساجد لوظيفتها في ضبط مواقيت الصلاة، وشهد الاهتمام بها وتخطيطها في المملكة نشاطا منذ القرن الرابع الهجري، ويقول خربوش إن المزولة الموجودة على سطح جامع القرويين في فاس هي أقدم مزولة بالبلاد، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن الهجري.

 

وترتفع هذه الساعة عن الأرض بمتر واحد وصنعها كما كتب عليها الفلكي محمد بن أبي الفتح اللخمي، وتوجد -حسب ما عاين خربوش- في وضعية مزرية بعدما نزع عقربها وتآكل بسبب الإهمال الذي طاله.

 

وتوجد ثاني أقدم مزولة بالمغرب -حسب المصدر ذاته- بجامع المواسين بمراكش، ويعود تاريخها إلى 1581م/989 هـجري، غير أنه بعد عملية التجديد والإصلاح التي شهدها هذا المسجد التاريخي أعيدت لمكانها ووضعت فوقها مصباح إنارة حجز عنها ضوء الشمس.

 

ويقول محمد الرمشاني الملقب بأمير الفلكيين بالمغرب في مقاله المعنون بـ “قياس الوقت بالمزاول الشمسية” المنشور بجريدة ميثاق الرابطة إنه بالرغم من كون المزاول اليوم أصبحت تعد زينة وديكورا في الأماكن التاريخية فما زال دورها يقوم بأعمال إيجابية في ضبط الوقت وخصوصا وقت الزوال.

 

ولا يزال علماء الفلك يصنعون الساعات الشمسية ويضيفون عليها عناصر ومعطيات أكثر دقة من أي وقت مضى، أما الفنانون فما زالوا ينكبون على هذا النوع من التحف، وقد تأسست جمعية فرنسية بهدف القيام بجرد جميع الساعات الشمسية في فرنسا وخارجها لصيانتها والحفاظ عليها وتجديد ما أتلف منها.

 

إرث مهدد بالاندثار

يتم تخطيط المزاول وفق قواعد هندسية وفلكية ورياضية دقيقة، وتصمم كل مزولة للبلد أو المكان الذي ستستخدم فيه، حيث يمكن لمزولة خططت للرباط مثلا أن تستعمل في مراكش بوصفها ساعات محلية تعطي الوقت في عرض البلد الذي خططت له.

 

وتتنوع أشكال الساعات الشمسية فمنها المنبسطة والقائمة والمنحرفة (من المهم قبل تخطيطها ضبط زاوية الانحراف بدقة شديدة لأن أي خطأ في ذلك لا يستقيم معه إسقاط الظل على خطوط الساعات) والمائلة صعبة التخطيط وقلة من يستعملها لصعوبة حسابها ولضعف دقتها.

 

وتعاني هذه المزاول من جهل الناس بها وقيمتها التراثية وبالأدوار التي قامت بها، حسب ما أوضح المهتم بعلم الفلك الحسن الطالبي للجزيرة نت الذي قال إن الجهل جعل هذه الآلات الفلكية عرضة للإهمال والإتلاف، وإنها تعرضت للنهب بعد أن توهم البعض أن لها قدرة سحرية أو وراءها كنز. كما تعرض البعض منها للكسر والإتلاف خلال عمليات ترميم بعض المساجد والزوايا.

 

وفي المقابل، يوضح الطالبي أن بعض هذه الساعات ما زالت في مكانها وتعمل بدقة بفضل حرص المشرفين على ترميم بعض البنايات على إعادتها كما كانت عليه أو لمعرفتهم بقيمتها الثقافية والعلمية والجمالية، غير أنه يعرب عن أسفه لاختفاء مزاول قديمة بمدن تازة وتارودانت وغيرهما واندثار أخرى بسبب عوامل الزمن وانتزاع عقارب بعضها أو سقوطها وإعادة تركيبها بطريقة عشوائية من طرف أشخاص لا دراية لهم بعلم التوقيت.

 

ويدعو خربوش المسؤولين على التراث بوزارة الأوقاف بوصفها المسؤولة عن المساجد ووزارة الثقافة والمتاحف إلى حماية هذا الإرث التاريخي، والتعهد بالترميم والإصلاح، وتعريف الأجيال الجديدة به بوصفه جزءا من الذاكرة المغربية وتراثا يعكس مهارة العلماء المغاربة في علم التوقيت والفلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى