ملفات ساخنة

مجلة فورين بوليسي: قوة إيران في الشرق الأوسط هشة فهل ستخرج منه بدون قتال؟

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لحنين غدار، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قالت فيه إن إيران تخسر الشرق الأوسط كما تظهر احتجاجات العراق ولبنان، وسبب الخسارة على ما يبدو هو أن إيران ماهرة في بناء تأثير ولكنها ليست جيدة في استخدامه أو الحكم بعده.

وتقول إن الاحتجاجات اندلعت في لبنان بعد اندلاعها في العراق، وكشفت عن أن النظام الذي بنته إيران في البلدين ليس ناجحا. واكتشف الشيعة في لبنان والعراق أن النظام الذي بنته إيران والجماعات الوكيلة عنها في البلدين فشل في ترجمة الانتصارات السياسية والعسكرية إلى انتصارات اجتماعية- اقتصادية، وبعبارة موجزة: لم يكن خطاب المقاومة كفيلا بتوفير القوت اليومي.

 

وتقول غدار إن إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 كان لديها والحرس الثوري خطة مفصلة لتصدير الثورة خاصة للدول التي تعيش فيها أقليات شيعية كبيرة. وطبقت طهران الخطة بصبر وأناة وقبلت الهزائم الصغيرة بعين على الهدف الكبير وهو: الهيمنة على العراق واليمن ولبنان وسوريا.

وتبدو إيران اليوم قد انتصرت في اللعبة الكبيرة من خلال كتلة برلمانية شيعية في لبنان، واستطاعت الحفاظ على نظام بشار الأسد، بالإضافة لتعزيز سلطتها في العراق من خلال الميليشيات التي دعمتها، (الحشد الشعبي) التي شكلت لقتال تنظيم الدولة. ولكن ما نسيته إيران في خطتها التي تابعتها على مدى العقود الأربعة الماضية هي الرؤية الاجتماعية- الاقتصادية للحفاظ على قاعدة الدعم لها.

 

ففي الوقت الذي انتهز فيه الإيرانيون كل فرصة لنسج تأثيرهم في مؤسسات المنطقة، فإنهم نسوا شيئا واحدا، هو ماذا سيحدث في اليوم التالي. وكما كشفت الأحداث في المنطقة فإن إيران فشلت في الحكم.

والعراق ولبنان هما مثالان واضحان. وساعدت إيران جماعاتها فيهما بالمال والسلاح لتمكينها من السيطرة على مؤسسات الدولة، بحيث أصبح همّ الجماعات هذه في كلا البلدين شيء واحد، هو حماية المصالح الإيرانية بدلا من توفير الخدمات لشعبي البلدين.

 

ووصف المراقبون الاحتجاجات الأخيرة في لبنان بأنها “غير مسبوقة” لعدد من الأسباب. فلأول مرة يكتشف اللبنانيون أن العدو ليس من الخارج بل “فيهم وبينهم”، وهو الحكومة والقادة السياسيون. بالإضافة إلى أن هؤلاء لم يستطيعوا السيطرة على مسار الاحتجاجات التي عمت البلاد من طرابلس في الشمال والنبطية في الجنوب وبيروت وصور وصيدا، وشارك فيها أناس يمثلون كل طبقات وطوائف المجتمع، وأظهرت أنها قادرة على توحيدهم بعيدا عن انتماءاتهم الطائفية والسياسية. وما جلبهم معا هو الحنق على الأوضاع الاقتصادية التي ضربت حياة الجميع.

 

وكما قال أحد المشاركين: “الجوع لا دين له”. والأهم في كل هذا هو أن الناس ولأول مرة تحولوا ضد حزب الله. وهذا أمر مثير للدهشة لأن الحزب ومنذ إنشائه في الثمانينيات من القرن الماضي طالما قدم نفسه على أنه حامي الفقراء والمحرومين، إلا أن زعيم الحزب حسن نصر الله قرر الوقوف مع السلطات إلى جانب المحتجين، وهذا تحد كبير للحزب الذي يواجه حركة احتجاجية واسعة.

 

ولم يكن قرار الحزب دعم حكومة سعد الحريري بدون تخطيط، لكن صور المتظاهرين الشيعة وهم يشاركون البقية في مدن لبنان أخافت قيادة الحزب. فهؤلاء هم عصب الدعم له وقاعدته الشعبية ويصوتون له ولحركة أمل في الانتخابات ويقاتلون في حروبه في لبنان وسوريا واليمن. ويحصلون بالمقابل على الرواتب والخدمات التي يقدمها الحزب وراعيته إيران.

ولكنه بات ولأول مرة مصدر غضب للشيعة الذين تظاهروا في معاقله بالنبطية جنوب لبنان، بل وحرقوا مكاتبه. والسبب في خروجهم هو الأزمة التي يعاني منها جراء مشاركته المكلفة في سوريا والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، بشكل اضطره لقطع الخدمات والرواتب وتوسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. كما أن معظم الذين جندهم الحزب للقتال في سوريا كانوا من أبناء الأحياء الشيعية الفقيرة، فيما انتفع المسؤولون من ثرواته وهو ما زاد من مستويات الحنق على الحزب.

 

أما السبب الثاني فهو قبول مناطق الحزب مكرهةً لنبيه بري رئيسا للبرلمان، باعتباره أهون الشرين من أجل الحفاظ على الكتلة الشيعية في البرلمان. فـ”بري” معروف بالفساد بشكل يتناقض مع خطاب النزاهة والشفافية الذي يقدمه الحزب لأتباعه. وعندما بدأ الاقتصاد بالتدهور في نفس الوقت الذي قلت فيه أموال الحزب، باتت ثروة وفساد بري موضوعا لا يمكن للكثيرين التسامح معه كما في الماضي.

أما السبب الثالث فهو تركيز الحزب على الجانب العسكري وانتصاره على إسرائيل عام 2000 ثم حرب تموز/ يوليو 2006 وحربه في سوريا، التي زعم أنه انتصر فيها على المتطرفين السنة، إلا أن هذه الانتصارات لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة الناس العاديين.

 

وربما استفادت إيران من انتصارات الحزب، لكن شيعة لبنان أصبحوا أكثر عزلة من الماضي. ولهذا السبب فانضمامهم للتظاهر هو محاولة لتأكيد هويتهم اللبنانية على الهوية الدينية التي خيبت أملهم.

والقصة هي نفسها في العراق الذي خرج فيه عشرات الآلاف احتجاجا على الفساد وغياب الخدمات والبطالة، وكان الرد حاسما، حيث قتلت قوات الأمن أكثر من 100 متظاهر.

 

ونشرت وكالة أنباء “رويترز” تقريرا قالت فيه إن ميليشيات إيران في العراق توزعت حول المتظاهرين وبدأت بقنصهم. ويكشف التقرير دورها في محاولة قمع المتظاهرين وفشل الحكومة العراقية بحماية مواطنيها عن التأثير الكبير لطهران في البلاد.

 

وبات عدد من قادة الميليشيات الذين عملوا مع إيران ودربتهم أعضاء في البرلمان، ويقومون مع الحكومة بالدفاع عن مصالحها وخلق نظام اقتصادي بديل للتحايل على العقوبات الأمريكية.

 

ومثل لبنان الذي زعم فيه حزب الله أنه قاتل السنة المتطرفين، فقد ساعد خطاب قتال الجهادية السنية على دخول رجال الميليشيات الشيعية إلى البرلمان العراقي واختراق مؤسسات الدولة. وليس مصادفة خروج الشيعة إلى الشوارع، فالسنة يتعرضون للاضطهاد على يد قادة الشيعة الطائفيين، ولم يوسع الشيعة هويتهم الطائفية إلى وطنية بعد.

 

ولو استمرت الاحتجاجات وتوسعت، فإنها ستصبح وطنية يشترك فيها الجميع سنة وشيعة وأكرادا. وفي الوقت الحالي عبر بعض السنة والأكراد عن دعم للمتظاهرين، لكنهم ترددوا بالمشاركة فيها كي لا يوصموا بالتطرف ودعم تنظيم الدولة، وبالتالي منح إيران وحلفائها المبرر لقمع الانتفاضة كما فعلوا من قبل.

 

وترى غدار أن إيران لن تتخلى عن التأثير بدون حرب. ففي لبنان قد تلجأ إيران وحليفها نصر الله إلى القوة. ولن يكرر حزب الله نفس خطأ الحشد الشعبي في العراق، ولهذا السبب يقوم الجيش بتدريب عناصر من غير حزب الله في كتائب المقاومة اللبنانية لمواجهة التحديات المحلية، وهو ما سيعطي الحزب فرصة لنفي مشاركته في قمع التظاهرات.

 

وفي محاولة لخلق ثورة مضادة، قام متظاهرون يحملون أعلام حزب الله وحركة أمل بمحاولة لترويع المتظاهرين والهجوم عليهم في عدد من المدن، إلا أن الجيش حجبهم عن المحتجين، مع أنهم نجحوا في المناطق الشيعية خارج بيروت.

 

وفي العراق قد يلجأ الحشد الشعبي للعنف مرة أخرى ومواجهة التظاهرات الجديدة المعلن عنها يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر. وقد يموت عدد جديد بسبب العنف، إلا أنه في غياب الضغط الدولي لحل البرلمان وإجبار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة، فلن يحدث شيء إلا تضرر صورة إيران.

 

وتعتقد غدار أن التقارير الأخيرة تظهر هشاشة القوة الإيرانية في المنطقة، وهذا غير الصورة التي لدى العالم عنها. وعلى هذا العالم معرفة أن المذهب الشيعي ليس ملكا لإيران وحدها، وبدء العمل مع المجتمعات الشيعية خارجها.

زر الذهاب إلى الأعلى