مواضيع ثقافية وسياسية

حفيد كمال بك.. جونسون سليل العثمانيين الشراكسة الذي صعد لحكم بريطانيا

رغم أن أصوله العثمانية ليست هي ما ساقه إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا، فإنها اليوم باتت محور حديث العالم، فالسياسي ابن الخامسة والخمسين حفيد أسرة سياسية عثمانية من الشراكس، ينام تاريخها على حوادث ومواقف ومناصب متعددة في عمق الدولة العثمانية.

 

تنسم رئيس الوزراء البريطاني الجديد الحياة عام 1964 بعد 44 عاما من سقوط الخلافة العثمانية وانتهاء الحكم الإسلامي الملكي للدولة التركية التي كانت تمتد شرقا وغربا على ملايين الكيلومترات المربعة وتجمع مئات القوميات والشعوب.

 

لقرون طويلة ظلت العلاقة بين مملكة إنجلترا والخلافة العثمانية مشوبة بدرجة عالية من التوتر والاضطراب. والآن يعيش البلدان على الذكريات المتوهجة لتاريخ العلاقة، في حين يرسم أحفاد المهاجرين جسرا آخر للتداخل بين الشرق والغرب.

 

ينتمي جونسون إلى تركيا نسبا وإلى الشركس قومية، أما بريطانيا فهو ابن أرضها وقيمها وتفاعلاتها السياسية، وهو اليوم رئيس وزرائها.

 

ومن ضمن الملفات الكبيرة التي سيواجهها جونسون في منصبه الجديد، إدارة ملف العلاقة مع المسلمين والمهاجرين الذين يمثلون إحدى أوراق الاضطراب والجدل في بريطانيا. ويمثل جونسون الورقتين بامتياز، فهو حفيد رجل مسلم كان وزيرا للداخلية في الخلافة العثمانية التي تمثل يومها قبلة المسلمين وحامية المقدسات والرموز والقيم الإسلامية. كما أنه ابن مهاجريْن جمعتهما بريطانيا في زواج بين الشرق والغرب، على ضفاف أنهار الحياة المضطربة.

 

من الإعلام إلى السياسة

ولد جونسون في نيويورك قبل أن ينتقل والداه إلى بريطانيا ليبدأ رحلة أخرى مع الحياة، حيث توجه تلقاء التاريخ والآداب الكلاسيكية، ليكون بذلك أحد المتعمقين بقوة في الآداب الإنجليزية، وهو ما يعني درجة عالية من الانتماء القومي لبريطانيا التي قدم إليها والداه مهاجريْن من السلطنة العثمانية الغارقة أيام نهاية الخلافة في أوجاع الرجل المريض.

 

أخذ جونسون بنصيب معتبر من الفعالية النقابية حيث كان رئيسا لاتحاد الطلاب البريطانيين عام 1984، ثم انتقل إلى الإعلام فكان صحفيا ومراسلا وكاتبا، قبل أن يدخل السياسة من بوابة الإعلام نائبا في مجلس العموم البريطاني فوزيرا للخارجية، ثم رئيسا للوزراء. وأبرز ما يميزه هو الحرص الشديد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تماما كما كانت تركيا قبل عقود حريصة على دخول الاتحاد ذاته.

 

كان جده الكبير علي كمال بك صحفيا مثل الحفيد جونسون وسياسيا أيضا مثله، وتلك صفة انتقلت أيضا إلى الابن ستانلي جونسون الذي كان أيضا عضوا في مجلس العموم بين عامي 1979 و1984، ثم انتقل الأمر أيضا إلى الحفيد جونسون.

 

رحلة البحث عن الأصول

يكشف موقع “البي.بي.سي” أن جونسون كان يعلم أن علي كمال أعدمته مجموعة من الغوغاء في عشرينيات من القرن الماضي، ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن سياق حياته وموته، وهو ما دفعه لرحلة بحث مطولة قادته إلى تركيا لاستكشاف حقيقة جده الذي كان صحفيا وسياسيا أوائل القرن العشرين وعائلته العثمانية التي كانت تقطن بلاد الأناضول.

 

قادته رحلته تلك التي انطلقت من الأرشيف الخاص بالأسرة، إلى مكتبات تركيا وأرشيفها العثماني، كما قابل العائلة والأقارب، وجال في مرابع الأجداد، وهي الرحلة التي قادته -وفق المصدر ذاته- إلى تقدير الجذور الإسلامية التقليدية لجده.

 

الوزير المعارض

في العام 1867 وُلد علي كمال بك الجد الأكبر لجونسون، في حي السليمانية بإسطنبول، وعاش فترات طويلة متنقلا بين عواصم ومدن عريقة في الشرق والغرب، منها باريس وجنيف والقاهرة وإسطنبول ولندن.

 

وعرف علي كمال بمعارضته لحرب الاستقلال التركية (1919-1923) وعاش في المنفى بأوروبا.

 

كان علي كمال -واسمه الحقيقي علي رضا- كاتبا وشاعرا ينشر بين الحين والآخر قصائد ومقالات يوقعها باسم علي كمال، ليستقر اسمه الإعلامي ويصبح وحدة التعريف الخاصة به. غير أن مسيرة الأسماء المتغيرة ستتسلل إلى ذريته، فنجله عثمان أضاف اسمين آخرين إلى اسمه الأصلي، لتنضاف إليه تغيرات أخرى طالت أبناءه وأحفاده ليس في الاسم فقط، بل في الديانة والمواقف والمواقع وسائر اتجاهات بوصلة الحياة.

 

وتقول وسائل إعلام تركية إن كمال ينحدر من قرية “كالفت” التاريخية القديمة التابعة لولاية “تشانقري” وسط تركيا، التي يقدر عدد سكانها حاليا بنحو 2000 نسمة، ومساحتها 22 كلم مربع.

 

ونقلت بعض تلك الوسائل أن مختار تلك القرية التركية بيرم تاوقجي قال للصحفيين إن الأهالي فرحوا حيال فوز جونسون بمنصب رئاسة الوزراء في بريطانيا، وإنهم يتمنون أن يزور القرية لاحقا، مشيرا إلى رغبتهم في زيارة جونسون ببريطانيا من أجل تهنئته بمناسبة المنصب الجديد.

 

بدوره قال مصطفى بال -وهو أحد سكان القرية- إنه فخور بتولي أحد أبناء “كالفت” منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا، وإن الأهالي يرغبون في استضافته.

 

وإن يكن جونسون وصل اليوم إلى أعلى المناصب في بريطانيا، فإن جده علي كمال كان تولى وزارة الداخلية لمدة ثلاثة أشهر في حكومة دامات محمد فريد باشا (في حدود العام 1919)، في أكثر فترات الخلافة العثمانية اضطرابا، وبذلك يكون قد أدار واحدة من أصعب وأعمق الإدارات الأمنية في العالم يومها، فقد كانت الداخلية التركية تمتد على تاريخ عميق من التقاليد الإدارية والأمنية والتقطيعات الاجتماعية التي تجعل وزيرها مهموما بالأزمات دون أن يجد فسحة للمرح.

 

غير أن المرح والفكاهة وجدا طريقهما إلى جونسون الذي وصفه أحد أقاربه بأنه يتمتع بحس فكاهي لم يكن موجودا لدى “جدنا”.

 

وقد وصف جونسون نفسه ذات مرة بأنه مزيج من هويات مختلفة، وهو كذلك، فقد كان أمشاجا من دماء وأعراق متعددة، وملتقى أطراف الشرق والغرب.

 

كان الجد الأكبر علي كمال كثير الأسفار، يجوب العالم وينتقل بين عواصمه الكبرى، وفي إحدى رحلاته إلى أوروبا تعرف على الفتاة “وينفريد بران”، وهي إنجليزية من أصل سويسري، وتزوجها عام 1903، ولكنها توفيت مباشرة بعد ولادة جده الأصغر عثمان، تاركة مجال الحياة مفتوحا للجيل الثاني والثالث من الأسرة التي جمعتها الهجرة والاضطرابات السياسية.

 

ويبدو أن عثمان بقي مع عائلة أمه، وجاء الاغتيال البشع لوالده (علي كمال) ليقطع جزءا مما اتصل بين العائلتين، فتحول اسمه الأول من عثمان إلى “ويلفريد”، واختار اسم جدته لأمه “جونسون” ليكون اسم عائلته، وهو الاختيار ذاته الذي فضله بعض أفراد أسرته مثل شقيقته الكبرى سلمى.

 

إعدام بشع

توفي الجد علي كمال في السن الخامسة والخمسين بعدما خطفه في إسطنبول رجال مقربون من السلطة، وأثناء نقله إلى محكمة الاستقلال في أنقرة لمحاكمته بتهمة الخيانة والتحالف مع الإنجليز ضد الاستقلاليين، هاجمه جنود تابعون لقائد الجيش التركي الأول، حيث تم إعدامه بشكل عنيف وتعليقه على شجرة ضمن عمليات إعدام وحشية طالت كثيرا من معارضي السلطة الجديدة التي قادها كمال أتاتورك في تركيا بعدما أنهى الخلافة العثمانية سلطنة وقيما ورموزا.

 

بوصول جونسون إلى رئاسة الوزراء في بلاده يصل صوت مهاجر آخر إلى عمق السلطة في بريطانيا، رافعا شعار بريطانيا الخاصة بأبنائها القاطعة للوصل مع الاتحاد الأوروبي. وبوصوله أيضا يكتب أحفاد المهاجرين قصة أخرى من السعي الحثيث إلى مراكز القرار، حيث تبدو أجزاء عديدة من عالم اليوم محكومة بأبناء المهاجرين القادمين في زوارق الأشواق والخوف والآمال.

 

أمين حبلا – الجزيرة نت

زر الذهاب إلى الأعلى