ضربة جديدة للأسواق بمصر وتوقعات بارتفاعات حادة في الأسعار
في الوقت الذي اتخذت فيه المجموعة المالية الجديدة في مصر قرارات برفع بعض القيود على عمليات الاستيراد والسحب والإيداع من البنوك، قررت وزارة المالية، الخميس، رفع سعر الدولار الجمركي إلى 19.31 جنيها، ليكون أعلى سعر للدولار الجمركي على الإطلاق، في صدمة جديدة للمستوردين.
مصر، رفعت سعر الدولار الجمركي، 5 مرات في 6 أشهر ما زاد من قيود عمليات الاستيراد، إذ حددت مصلحة الجمارك المصرية سعر الدولار الجمركي 22 آذار/مارس الماضي عند 16 جنيها، قبل أن ترفعه إلى 17 جنيها في أيار/ مايو الماضي.
ليسجل سعر الدولار الجمركي 18.63 جنيها للتعاملات مطلع حزيران/ يونيو الماضي، لتصدر وزارة المالية منتصف آب/ أغسطس الماضي، قرارها برفعه للمرة الرابعة إلى 19.19 جنيها، ثم إلى 19.31 جنيها الخميس.
الدولار الجمركي هو ما يدفعه المستورد من رسوم بالعملة المحلية بما يوازي الرسوم الدولارية المفروضة عليه نظير الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحتجزة في الجمارك.
الخبير المصرفي المصري عبد المنعم بدوي، أوضح أن “سعر الدولار الجمركي، هو سعر تحويل الدولار الوارد في فاتورة الشراء من الخارج إلى الجنيه لتحديد قيمة الجمارك الواجب دفعها على هذه البضاعة”.
وأكد أنه لو استوردت بضاعة قيمتها ألف دولار، وكان سعر الدولار الجمركي 19.3 جنيها ستكون قيمة الفاتورة 19300 جنيه، ولو كانت الجمارك على هذه الفاتورة 30 بالمئة، فستدفع جمارك عليها بقيمة 5790 جنيها.
وبين أنه بالتالي فقيمة الجمارك تتوقف على سعر الدولار الجمركي، بصرف النظر عن سعره في البنوك أو السوق السوداء، فهو لتحديد قيمة الجمارك الواجب دفعها على هذه السلعة.
المثير هذه المرة في رفع سعر الدولار الجمركي، أن قيمة الرفع أقل من سعر الدولار في البنوك والصرافات، ما اعتبره البعض مؤشرا لانخفاض قادم وصادم لقيمة الجنيه التي تبلغ رسميا الخميس (19.33) جنيها مقابل الدولار ارتفاعا من (19.27) الأربعاء.
وفي محاولة منه لتخفيف وقع القرار، قال وزير المالية محمد معيط لـ”الشرق مع بلومبيرغ”، إن مصلحة الجمارك المصرية تستخدم يوميا أسعار العملات المعلنة من البنك المركزي، بمعنى أنه يتغير يوميا وفق قرار المركزي.
وفي نتيجة سريعة للقرار، شهد سعر الذهب في مصر الجمعة، ارتفاعا سعريا مؤقتا، تزامنا مع الصعود الذي سجله سعر شراء الدولار داخل البنك المركزي 19.2622، بالإضافة لارتفاع الدولار الجمركي إلى 19.31 جنيها.
أجواء صعبة
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، يعاني قطاع كبير من المستوردين والمصنعين والشركات ورجال الأعمال مع توفير السيولة من النقد الأجنبي المتناقص بشدة لإتمام عمليات الاستيراد.
وتراجع الاحتياطي النقدي بمصر للشهر الرابع على التوالي، ليصل إلى 33.141 مليار دولار في آب/ أغسطس الماضي، وذلك بالتزامن مع معاناة مصر من أزمات مالية واقتصادية طاحنة أضرت بمخزون البلاد من السلع الهامة ومن خامات التصنيع ما أدى لتوقف بعض المصانع.
تلك الأزمات نتج عنها ارتفاع في جميع السلع والمنتجات المستوردة والمحلية، وهو ما يتزامن مع معاناة المصريين من التضخم الذي سجل معدله السنوي 15.3 بالمئة في آب/ أغسطس الماضي، محققا أعلى مستوى له في قرابة 4 سنوات، وفق محللين.
ماذا يفعل المستوردون؟
ولذا فإن مصنعين ومستوردين، اعتبروا القرار ضربة جديدة لكافة قطاعات السوق ويزيد أسعار جميع السلع، ويزيد سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه، وينعش السوق السوداء للعملات الأجنبية، وعمليات الدولرة بتحويل العملة المحلية للدولار.
أحد المصنعين والمستوردين المصريين مهندس، (أ. إ)، قال: لم نكد نستوعب قرارات المالية والبنك المركزي السابقة برفع بعض القيود على الخامات الموجودة في الموانئ منذ شهور، ونستفيد من قرارات رفع حد السحب والإيداع والاقتراض، حتى نفاجأ بهذا القرار.
وأكد أن أول خطوة يفكر فيها أغلب المستوردين هي الحصول على أكبر كمية من الدولارات، وتحويل كل ما لديهم من سيولة بالجنيه إلى العملة الأجنبية، تحسبا لما هو قادم من قرارات بالتأكيد ستكون تعويم الجنيه.
ولفت إلى أن الخطوة التالية هي قيام المصنعين والمستوردين بجرد منتجاتهم وزيادة أسعارهم وإبلاغ مندوبي البيع بالأسعار الجديدة، وكذلك جرد مخازنهم لمعرفة ما لديهم من خامات وإلى متى ستكفيهم، ومحاولة استيراد خامات بأسرع ما يمكن، قبل تفاقم الأزمة أكثر.
تضارب حكومي
ورأى مراقبون أن رفع سعر الدولار الجمركي مجددا يناقض ما قامت به الحكومة من رفع بعض القيود على الاستيراد، وإعادة تعامل المستوردين بنظام الاعتمادات المستندية، والإفراج عن آلاف السلع بالجمارك، وتسهيلات السحب والإيداع وزيادة حد الاقتراض من البنوك.
وفي حزمة إجراءات استثنائية استأنفت البنوك المصرية، مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، فتح اعتمادات مستندية للمستوردين مجددا، بعد توقف هذا الإجراء 5 أشهر جرى فيها تقليل حجم الاستيراد وفرض قيود عليه، ما أدى لمعاناة كبيرة لقطاعي الصناعة والتجارة.
كما قررت وزارة المالية في اليوم نفسه، تسهيل إجراءات الاستيراد بالموانئ، وتقليل أعباء المستوردين في توفير العملة الصعبة للإفراج عن بضائعهم، ورفع عوائق تطبيق نظام الاعتمادات المستندية، وتجميد قرار فرض نظام الاعتمادات المستندية.
قبلها، وفي 25 آب/ أغسطس الماضي، رفع فريق العمل المصرفي والمالي الجديد في مصر بقيادة القائم بأعمال محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، القيود على السحب والإيداع بالبنوك.
إذ ألغى الحد الأقصى لإيداع الأفراد والشركات بالبنوك، ورفع الحد الأقصى للسحب النقدي لـ150 ألف جنيه يوميا بعد 50 ألفا فقط.
وفي 6 أيلول/ سبتمبر الجاري، رفع البنك المركزي الحد الأقصى لإقراض البنوك الحكومية للشركات بنسبة 100 بالمئة إلى 500 مليون جنيه دون الرجوع إليه، بهدف مساعدة الشركات في التوسع بأعمالها.
طحن جديد للمصريين
وفي رؤيته، يرى رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابه، أن أهم توابع رفع سعر الدولار الجمركي إلى هذا الحد هي زيادة سعر الدولار بالبنوك المصرية والسوق المحلية بل والسوق السوداء.
أستاذ التمويل والاقتصاد في جامعة إسطنبول، أضاف: وطالما أن هناك زيادة محتملة في سعر الدولار سيكون هناك بالتبعية ارتفاع في سعر السلع المستوردة بشكل خاص، والسلع المحلية التي تستورد بعض مكوناتها.
وأكد أن رفع سعر الدولار الجمركي بالطبع يؤثر على الاستيراد، معربا عن تعجبه من قرارات الحكومة برفع بعض القيود عن الاستيراد ثم زيادة سعر الدولار الجمركي، متسائلا: كيف يفتح باب الاستيراد من ناحية ثم يغلقه بهذا الرفع؟.
الأكاديمي المصري، أوضح أن هذا كله يصب في النهاية على المستهلك ويفجر مشكلات وصعوبات لا يتحملها إلا المواطن المصري المطحون الذي ستقع تبعات كل ما يحدث على عاتقه، رغم أنه لم تعد لديه قدرة على التحمل، وهذه إشكالية كبيرة.
وعن الحلول المقترحة للأزمة، أكد دوابه أن النظر للحلول لا بد أن يكون نظرة كلية وليست جزئية، خاصة في ظل ما فعلته القرارات السابقة من تأثيرات سلبية وما تصنعه القرارات الجديدة من تبعات، وجميعها تجعل المواطن فريسة مطحونة بهذه القرارات.
مقدمات لحالة مؤلمة
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أكد مراقبون أن ارتفاع سعر الدولار الجمركي يقود لارتفاعات جديدة وكبيرة بالسلع المستوردة، وأثار مخاوفهم من حدوث أزمات جديدة بسوق يعاني نقص السلع ويشهد ارتفاعات غير مسبوقة بجميع السلع بسبب سياسات النظام.
الكاتب الصحفي المتخصص في الاقتصاد مصطفى عبد السلام، أكد أن رفع الحكومة سعر الدولار الجمركي إلى 19.31 جنيها هو الأعلى على الإطلاق، ويتخطى سعر الدولار المتداول في البنوك والصرافات.
وأشار عبر “فيسبوك”، إلى أنه قرار له تبعات على المصريين، قائلا إنه مؤشر خطر للأسعار ولقيمة الجنيه المصري، حيث توقعات بقفزة جديدة في الأسعار وتراجع آخر في قيمة العملة المحلية.
ولفت إلى أن رفع الحكومة سعر الدولار الجمركي وبهذا المعدل القياسي يعني شيئا واحدا وهو أن القرارات والإجراءات التقشفية الجاري الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي كشرط لتمرير القرض الجديد ستكون صعبة وربما مؤلمة للمواطن والأسواق.
الناشطة هبة الغزالي، أشارت إلى أن رفع سعر الدولار الجمركي بأعلى من سعر الدولار في البنك مقدمة لتعويم بطيء للجنيه، مؤكدة أنه “لو تم إعلان تعويم جديد تلقائيا فإن الأسعار سيحدث لها سُعار”، لافتة لحالة الغضب بالشارع.
وترى أن الحكومة تقوم بترك الجنيه يسبح تدريجيا نحو الهبوط بدون إعلان”، مبينة أن “هذا الحل يشل حركة السوق، ويعطي فرصة للسوق السوداء”، متسائلة عن “الآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك؟، واصفة الموقف بأنه معضلة حقيقية.