المهاجرون الأفارقة جحيم لا نهاية له.. رمتهم تونس في الصحراء ومنعتهم الجزائر
تحت عنوان: “المهاجرون- تونس.. الصحراء القاتلة”، على صفحتها الأولى، خصصت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية ملفاً من أربع صفحات حول المأساة الإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس وعلى حدودها مع الجزائر.
بعد تعرضهم للعنف في صفاقس، في بداية يوليو، أبعدت السلطات التونسية المئات من المهاجرين من سكان إفريقيا جنوب الصحراء عند الحدود الجزائرية، التي حال حرس الحدود الجزائري دون عبورهم لها.. وتركوا دون ماء أو طعام، مأساة إنسانية نتيجة الاتفاقات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، تقول الصحيفة.
ليبراسيون، وصفت المشهد قائلة إن الطريق الصحراوي الطويل الذي يربط الجزائر بتونس يبدو وكأنه مشهد جنائزي […] لا أثر للحياة، باستثناء مجموعة من الجمال تكافح لعبور الإسفلت الساخن. على هذه الأرض، بدأت دراما إنسانية تتكشف منذ أوائل شهر يوليو المنصرم، مع طرد قوات الأمن التونسية للمئات من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وتركهم هناك دون غذاء وماء، لا سيما وأن حرارة الصحراء التي تصل إلى نحو 50 درجة مئوية تجعل الشخص يعطش في بضع دقائق، وتضعف جسمه.
رسميًا، تسبب هذا الوضع المأساوي في مقتل شخصين على الأقل بالقرب من معبر حزوة الحدودي، لكن عدد الوفيات بلا شك أعلى من ذلك بكثير، تؤكد ليبراسيون.
وتتابع “ليبراسيون” التوضيح أنه على أمل البقاء على قيد الحياة في هذه الظروف القاسية، يتعين على المهاجرين المشي لعدة أيام في الصحراء.. وعلى بعد 40 كم إلى الشرق، يختبئ العشرات منهم بين آلاف أشجار النخيل ونخيل التمر وأشجار الفاكهة في واحة نخلة التي يبلغ عمرها ألف عام، وتوجد بأقصى جنوب غرب تونس. وذاك حال أمادو وسيكو وموسى، ثلاثة شبان من غينيا، بعد طردهم من صفاقس، ثاني مدينة في تونس، ثم تم ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية، عقب الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في المدينة الساحلية بين السكان والمهاجرين.. وتنقل الصحيفة الفرنسية عن الغينيين الثلاثة، قولهم: قام مائة تونسي بمهاجمة مساكننا بالحجارة، وهددونا بالمناجل والسكاكين. ثم اقتادنا الحرس الوطني إلى مركز الشرطة، حيث تجمع حوالي 500 من مواطني إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كان البعض خائفًا لدرجة أنهم ذهبوا بمفردهم إلى الشرطة. وأصيب آخرون، بمن فيهم مواطن من كوت ديفوار.
على الحدود الجزائرية، يهدد حرس الحدود الجزائري هؤلاء المهاجرين “بقتل” كل من يدخل الأراضي الجزائرية.. ويروي أمادو، أحد الشبان الغينيين، لـ“ليبراسيون”: بعد أن ضربونا وسلبونا أموالنا وهواتفنا، قاموا بإجبارنا على الرقص. وكان علينا أن نصرخ «تعيش الجزائر»”، يتذكر أمادو بألم، وهو يمسح بضع قطرات من العرق على جبهته، تصف “ليبراسيون”، قبل أن يضيف: “أغمي على رجل بعد ركله في صدره. كانت امرأة نيجيرية وطفلها يبكيان بشدة، وكان الجميع خائفين.
وبحسب منظمات حقوقية، فإن ما لا يقل عن 1200 أفريقي أسود طردوا قسرا أو نقلوا من قبل الجيش التونسي والحرس الوطني، دون أي احترام للإجراءات القانونية، إلى الحدود الليبية والجزائرية في مطلع يوليو / تموز.
المجموعة الصغيرة التي لم تستطع تحمل الوضع قررت على الرغم من الخطر العودة إلى تونس، لكن الطريق إلى نفطة طويل وقاتل. ويزعم الشبان الثلاثة أنهم صادفوا جثة مواطن غامبي مات بسبب الحر […] في غضون ثلاثة أسابيع، تقول المجموعة إنها أعيدت خمس مرات إلى الحدود مع الجزائر. وفقًا للعديد من الشهود الذين التقوا في نفطة، ينطلق الحرس الوطني التونسي ويطرد كل من يقابلهم من جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم، بما في ذلك الأشخاص الذين هم في وضع عادي وطلاب وطالبو لجوء.
لمعالجة هذا الظلم وغياب المنظمات غير الحكومية بالقرب من المنطقة الحدودية، يقضي سمير، موظف يفضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، جزءًا كبيرًا من أيامه في تقديم المساعدة لهم. ويكرر باستمرار: “هذا واجبنا” على الرغم من تنامي ترهيب النظام للنشطاء والصحفيين الذين يغطون عمليات طرد مواطني إفريقيا جنوب الصحراء.
ومضت “ليبراسيون” قائلة إنه بينما تواجه تونس تصاعدًا في العنصرية، تبدو مدينة نفطة استثناءً. على جانب الطريق، يقف أطفال لا تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام على دراجاتهم البخارية لتقديم خبز الباجيت لاثنين من غامبيا عائدين من وسط المدينة حاملين علبا وزجاجات مياه. في مقهى شهير، حيث يدخن عشرات الرجال السجائر أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم على التلفزيون، يؤكد صاحب المطعم أن سكان جنوب الصحراء يمكنهم تناول الطعام دون أن يدفعوا، قائلا: “نحن متضامنون معهم، حتى لو كنا ممنوعين من توظيفهم أو استضافتهم أو أخذهم في سياراتنا”، ويستنكر رجل تنامي ظاهرة كراهية الأجانب في صفاقس، قائلاً: “بعض هؤلاء الناس موجودون هنا لأنهم طردوا بسبب الحرب. طلب نبينا مساعدتهم”، كما تنقل عنهم “ليبراسيون” دائما.
واعتبرت “ليبراسيون” أنه بالنسبة للقادة الأوروبيين، يعد هؤلاء الأفارقة مجرد أرقام، ومن المهم إبعادهم قدر الإمكان عن الأراضي الأوروبية لتجنب “الغزو” الذي يتخيله الشعبويون. لهذا تدفع الدول الأوروبية لدول ثالثة (تركيا، تونس، إلخ) حتى تصد أولئك الذين يسعون إلى الفرار من الحرب أو الاضطهاد أو البؤس.. وبالتالي، نحن أمام عملية أخذ وعطاء، الأرقام البشرية مقابل أرقام العملات الصعبة. إلا أن وراء هذه الأرقام تختفي مآس حقيقية، وانتهاكات يصعب تصديق حدوثها.